تبدأ اليوم الخميس، في مدينة «آستانا»، عاصمة دولة كازخستان، فعاليات المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية، برعاية منظمة «اليونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية، والذي يهدف إلى إعادة التأكيد على الدور المحوري والأهمية الفائقة للرعاية الصحية الأولية في بلوغ هدف تحقيق التغطية الصحية الشاملة للجميع، ضمن أهداف التنمية المستدامة.
وتتزامن فعاليات مؤتمر هذا العام، مع الذكرى الأربعين لإعلان «ألما-آتا»، والذي صدر في عام 1978، واعتبر حينها علامة فارقة على صعيد الصحة العالمية، كونه أول اتفاق دولي على ضرورة تفعيل إجراءات وتدابير، وطنية ودولية، كفيلة بتوفير رعاية صحية أولية في دول العالم قاطبة، كشرط أساسي لرفع وتحسين مستوى صحة الأفراد والشعوب.
وتحت شعار «الرعاية الصحية الأولية مفتاح تحقيق الصحة للجميع»، نص إعلان ألما-آتا على الآتي: «إن الصحة تعني العافية الجسدية والعقلية والاجتماعية، وليست مجرد الخلو من الأمراض، وهي حق أصلي للإنسان يجب أن ترعاه القطاعات الاجتماعية والاقتصادية بالاشتراك مع القطاع الصحي، وليس من المقبول سياسياً واجتماعياً واقتصادياً اختلال ميزان العدالة الصحية بين الناس، وبالأخص بين الدول المتطورة والنامية. وكما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية مهمة لتحقيق الصحة للجميع، فإن تعزيز الصحة ضروري أيضاً لصيانة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويملك الناس حق المشاركة الفردية والجماعية في تخطيط وتنفيذ برامج الرعاية الصحية، وتقع على الحكومات مسؤولية رعاية صحة شعوبها عبر إجراءات صحية واجتماعية كافية لتحقيق هذا الهدف».
ويشير مصطلح الرعاية الأولية في مفهومه إلى الرعاية الصحية الأساسية، المعتمدة على أساليب وتقنيات، مثبتة علمياً، ومقبولة اجتماعياً، مما يسمح بتوفير التغطية الصحية الشاملة لجميع الأفراد، والأسر، والفئات المجتمعية، ومن خلال مشاركة جميع هؤلاء، وبتكلفة يمكن للمجتمع وللحكومة أن يتحملا عبئها خلال جميع المراحل. بمعنى أن الرعاية الصحية الأولية، هي مقاربة مختلفة لصحة الأفراد والمجتمع، تختلف في فلسفتها عن أسلوب العمل المعتاد في نظم الرعاية الصحية التقليدية. حيث تتضمن الرعاية الصحية الأولية جميع الجوانب التي تلعب دوراً في صحة الفرد والمجتمع، مثل الظروف البيئية، ونمط أو أسلوب الحياة، ومدى توفر الخدمات الصحية بغض النظر عن الدخل المادي والمستوى الاجتماعي، أو غيرها من العوامل التي قد تعيق بعض أفراد أو فئات المجتمع عن الحصول على ما يحتاجونه من خدمات طبية ورعاية صحية. ولذا، تشكل الرعاية الصحية الأولية، بالترافق مع إجراءات وتدابير الصحة العامة، حجري الأساس في بلوغ التغطية الصحية الشاملة.
ويعتبر ميثاق منظمة الصحة العالمية، من أقدم المواثيق الدولية المعاصرة التي نصت على أن التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، هو جزء لا يتجزأ من الحقوق الإنسانية الأساسية، وهو الحق الذي أصبح يعرف بالحق في الصحة. ويشمل هذا الحق مجموعة من الترتيبات الاجتماعية، مثل المعايير والسياسات، والمؤسسات الصحية، والقوانين الأساسية، والبيئة الممكنة.. والتي تضمن جميعها -وبأكبر قدر ممكن- تمتع أفراد المجتمع بهذا الحق كاملاً مع الأخذ في الاعتبار ما هو متاح من مصادر، وحتمية التدرج في التحقيق والإنجاز.
ولا يقتصر الحق في الصحة على الرعاية الصحية المناسبة فقط، بل يمتد أيضاً ليشمل ما يُعرف بمحددات الحالة الصحية، مثل توافر مياه الشرب النظيفة، والغذاء الكافي، والمسكن الملائم، والمعلومات الصحية الضرورية، وغيرها من العوامل التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في الحالة الصحية العامة، حيث يتطلب بلوغ أعلى مستوى من الصحة، توافر معايير ونظم اجتماعية، داعمة ومساندة لصحة أفراد المجتمع، بما في ذلك توفر نظام رعاية صحية شامل ومتكامل، وتوفر ظروف وبيئات عمل آمنة، وسكن وغذاء مناسبين وملائمين.
وفي الوقت الذي لا يعتبر فيه مفهوم التغطية الصحية الشاملة مفهوماً جديداً، إلا أن إدراجه ضمن أهداف التنمية المستدامة، شكل اعترافاً مهماً من دول العالم، بأن السعي نحو تحقيق هذا الهدف لن ينتج عنه فقط تحسين صحة الملايين، بل إنه أيضاً سيسهم في تحقيق العديد من الأهداف الصحية الأخرى، ضمن المنظومة الرامية لتحقيق التنمية المستدامة. ولذا يعتبر الهدف الرامي إلى توفير رعاية صحية شاملة من أهم أهداف التنمية المستدامة الصحية على الإطلاق، ومربط الفرس لأي جهود في هذا الصعيد، بناءً على أن تحقيق هذا الهدف سيساعد بشكل جوهري على تحقيق باقي الأهداف الصحية من دون استثناء، من خلال توفير رعاية مرتفعة الجودة، ومجانية، للفرد وللمجتمع برمته، وضمن إطار يأخذ في الاعتبار الاختلافات الواقعية في حياة الأشخاص.