النشاطات التي تقوم بها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، جديرة بالاهتمام والمتابعة، لأنها تتحرك ضمن فضاءين؛ الأول: المكتبات في كل من أبوظبي والعين، من حيث هي مواقع للمطالعة، والثاني: مجالات الحراك الثقافي، واندماجه بالسياحة، مثل منارة السعديات ومتحف اللوفر.. إلخ، حيث يتم إلقاء محاضرات وإقامة ندوات وتنظيم ورش.. تجمع في أحايين كثيرة -عبر حوار مستفيض- بين المحلي والقومي من جهة، وبين العالمي الكوني من جهة ثانية. وبذلك تتجاوز تلك الأنشطةُ الحالةَ الموسميةَ لتغدو عملاً متواصلاً على مدى فصول العام، ولتبدو أعمالاً مساندة لمناسبات ثقافية كبرى، مثل: معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة، ومنتدى أبوظبي للنشر.
منذ يومين نظمت الدائرة محاضرة تحت عنوان «واقع الدراما المحلية ومستقبلها»، ألقاها الدكتور حبيب غلوم، وأدراها الكاتب والروائي سعيد البادي، في مسرح منارة السعديات، وقد مَثَّلَت لقاءً حقيقياً للنقاش، واستغرقت جلّ وقتها في الحديث عن الحاضر، وربما تلك هي المرة الأولى التي أُلاَحِظ فيها اندماج بُعْدَيْن من الزمن؛ الماضي على ما فيه من منجز في الأعمال الفنية الإماراتية، والمستقبل وما يحمله من تصورات وتوقعات ضمن الرؤية العامة للمسألة الثقافية في الإمارات.
لقد تحدث الدكتور حبيب غلوم، وهو الباحث والناقد والكاتب والممثل والمنتج المعروف بصراحته، وبشوقه إلى تطوير وتغيير حال الدراما الإماراتية من حيث الاهتمام، طارحاً أوجاعاً تجمعت عبر سنوات قاربت الأربعة عقود، ومُتخوّفاً من مآلات المستقبل إن بقيت حال المسرح على ما هي عليه، ناظراً للمسألة من زاوية الهوية الوطنية، وداعياً لمزيد من الدعم من طرف المؤسسات المعنية، ليس فقط لأن الأعمال الدرامية الكبرى ذات تكلفة عالية تتجاوز قدرات القطاع الخاص، ولكن أيضاً لأن الثقافة والفن يمثلان استثماراً رشيداً في المستقبل، ولأن الإمارات تدخل في سباق مع الدول الكبرى، في البر والبحر والفضاء، وتفوز به دائماً، بل هي من الأوائل في كثير من المجالات.. لذا من غير المقبول ألا تحقق فوزاً مماثلا في المجال الثقافي، خاصة في مجال الفنون، وبوجه أخص الدراما منها.
لقد رأينا مدى تأثير مسلسل «خيانة وطن»، الذي عرض منذ سنتين، على وعي المشاهدين، والنقاشات التي دارت حوله وكشفت المخاطر التي تمثلها جماعات الإسلام السياسي.
ما طرحه غلوم يتطلب إصغاء الضَّمير أوّلا، والوعي بأهمية ما يفصح عنه ثانياً، والاستجابة لمطالب خبير قضى عمره تعلماً وتعليماً في هذا المجال ثالثاً. وهو وإن كان قد تحدث في محاضرته عن واقع الدراما في الإمارات، فإنه ينظر إليها من خلال سياقها الخليجي والعربي. وبالمقارنة والمتابعة والتحليل، ندرك أن حال الدراما المحلية ليس شأناً إماراتياً خالصاً، بل هي تتداخل مع مثيلاتها في فضائها الخليجي القريب، وفي مجالها القومي البعيد، حيث إن عدم وضعها ضمن الأوليات بالنسبة للدول العربية، كرّس وقعاً ساعد في ظهور التطرف والعنف، وأدى إلى بروز ظاهرتين: الأولى التحكم الطاغي لشركات الإعلان، وبالتي سيادة منطق «الجمهور يريد هذا»، ولذا غابت الذائقة الفنية لدى الشعوب. والأمر الثاني: إبعاد الثقافة من المواجهة، وما تبع ذلك من إلغاء (مقصود أو غير مقصود) لدور النخبة.. لذلك ولغيره من الضروري التجاوب مع طرح حبيب غلوم إن أردنا تفعيل الثقافة، إذ لن ينبئنا في هذا المجل مثْل خبير فيه.