أثناء حديثه إلى الصحافيين في الأمم المتحدة الشهر الماضي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه كان سيرغب في لقاء الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لو كان هنا. ورغم هجمات مادورو الدائمة على «الامبراطورية الأميركية»، إلا أن حتى عرضا غير رسمي بالالتقاء مع رئيس أميركي هو عرض لم يكن يستطيع مادورو رفضه.
وقبيل لحظات من تقديمه غصن الزيتون غير المتوقع لمادورو المحاصَر بالمشاكل، قال ترامب مرة أخرى إنه يدرس إمكانية «خيار عسكري» ضد فنزويلا. وقد يبدو إعلانك مكانية غزو أحد البلدان من أجل خلع زعيمه ثم قولك إنك ستكون سعيداً بالالتقاء مع ذاك الزعيم غير منطقي؛ ولكن التسرع والاندفاع هما من سمات ترامب، ويبدو أنه وجد ضالته في مادورو.
ومع أن مادورو قال إنه متردد في زيارة الأمم المتحدة بسبب تخوفات أمنية، إلا أنه سرعان ما قفز إلى طائرته الرئاسية بعد إدلاء ترامب بتصريحاته، ليحط بعد بضع ساعات على ذلك في نيويورك. وخلال تسرعه هذا، فاته أن يحدد موعداً مع الرئيس الأميركي. وبالطبع، لم يكن ترامب سيلتقي مع نظيره الفنزويلي؛ فقد كان ذلك مجرد تصريح مرتجل. ولكن بالنسبة لمادورو كانت تلك فرصته الكبرى. فإذا استطاع «كيم جونغ أون» الالتقاء مع ترامب، فإنه يستطيع ذلك أيضاً.
وعلى غرار كيم، يُعتبر مادورو واحداً من مجموعة من رؤساء الدول الذين صدرت في حقهم عقوبات أميركية. وقبيل وصوله إلى نيويورك، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على زوجة مادورو «سيليا فلوريس»، ونائبة الرئيس «ديلسي رودريجيز» وآخرين من دائرته الداخلية. كانت الجدران أخذت تضيق على الرئيس الفنزويلي، وكان يرى في ترامب مخرجه الوحيد. «إنني على يقين من أن أشياء جيدة كانت ستنبثق لو التقينا وجهاً لوجه»، هكذا قال خلال ظهوره المفاجئ في الأم المتحدة.
ولئن كان البعض يعتقد أن مادورو ورث حكومة مستبدة عن سلفه هوجو تشافيز، إلا أنني أختلف مع هذا الرأي. فقد كنت مقربة من تشافيز وكنت ممن كانوا شهوداً على صعوده وسقوطه.
إن هوجو تشافيز الذي أعرف كان يؤمن بالعدالة الاجتماعية والمساواة والحريات الأساسية. وكان يفوز بأغلبيات ساحقة في انتخابات متعددة. بل إنه أعيد انتخابه عندما كان يحتضر من السرطان –لقد كانت شعبيته في فنزويلا كبيرة إلى هذا الحد. كما قام تشافيز بالعفو عن العديد من خصومه، بمن فيهم أولئك الذين حاولوا إسقاطه في انقلاب عنيف.
ولكن، هل كانت لديه ميولات عنيفة؟ الواقع أن خلفيته العسكرية رسّخت فيه إيماناً قوياً بالتراتبية. كلما طال وجوده في السلطة وامتد، كلما أصبح أكثر ترسخاً. وهذا ما يفسر أهمية تحديد حد أقصى للولايات الرئاسية ونظام فصل للسلطات ومراقبة بعضها لبعض بالنسبة لديمقراطية صحية.
ولكن تشافيز كان لديه تعاطف كبير مع الفقراء والمهمشين وخطا خطوات كبيرة خلال رئاسته حيث ساعد الملايين من الأشخاص.
صحيح أنه ارتكب عدة أخطاء. فقد كان تشافيز يطمح إلى أن يجعل نموذجه دائماً، ولكنه توفي دون أن يحقق ذاك الهدف. كما مثلت عادتُه في تفضيل الولاء على الكفاءة خطأً قاتلاً، على غرار عادته في إسناد مسؤوليات متعددة إلى دائرة مغلقة من الأشخاص الذين كانوا غير مستعدين وغير راغبين في القيام باختيارات صعبة. فغذى ذلك جواً من السرية وانعدام المحسوبية، وهما أمران يمكن أن يكون خطراً على الديمقراطية. إنه تكتيك مألوف من أجل إحكام القبضة على السلطة، ومرده إلى ارتياب يخلقه الإدمانُ على السلطة، والاعتقادُ بأن لا أحد يستطيع القيام بالأشياء بشكل أفضل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»