من بين دول العالم قاطبة، توجد مجموعة خاصة من الدول تعرف بالدول الجزرية الصغيرة النامية (Small Island Developing States)، تضم بين أعضائها 52 دولة، موزعة على بحار ومحيطات العالم، نذكر منها على سبيل المثال: المالديف، موريشيوس، جزر القمر، سيشل، وسنغافورة.. إلخ.
وتتميز هذه المجموعة من الدول بمميزات خاصة، وبتحديات فريدة على صعيد التنمية المستدامة، مثل شح المصادر الطبيعية، وعدد السكان المنخفض (وإنْ كان متنامياً ومتزايداً في الغالب)، وقابلية التعرض للكوارث الطبيعية، والاعتماد الشديد على التجارة الدولية، والتمتع ببيئة طبيعية هشة.. إلخ.
ومن بين التحديات الفريدة التي تواجهها هذه الدول الجزرية، ارتفاع تكلفة النقل والمواصلات، وتكلفة الطاقة، والاتصالات، وارتفاع تكلفة إنشاء البنية التحتية، وعدم القدرة على خلق ما يعرف باقتصادات السعة أو الحجم، نتيجة لصغر حجمها وقلة عدد سكانها النسبي.
ورغم أن هذه المجموعة تم تحديدها واختيار أعضائها منذ عام 1992، خلال مؤتمر الأمم المتحدة عن البيئة والتنمية في «ريو دي جانيرو» بالبرازيل، الاجتماع الذي عرف في حينه باسم «قمة الأرض» (Earth Summit)، فإن التغيرات المناخية التي واجهها العالم خلال العقود والسنوات الأخيرة، خصوصاً على صعيد ظاهرة الاحتباس الحراري، وما نتج عنها من دفء عالمي، وإمكانية ارتفاع منسوب البحار والمحيطات.. وضع هذه الدول في مركز وبؤرة التبعات السلبية الكارثية المتوقعة للتغيرات المناخية.
هذه التبعات، خصوصاً الجانب الصحي منها، كانت المحور الرئيس لمؤتمر دولي عقد يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في جزيرة «جرينادا» بالبحر الكاريبي، تحت عنوان «المؤتمر الدولي الثالث للتغير المناخي والصحة»، بحضور وزراء الصحة، والبيئة، والهيئات والمنظمات والجمعيات المعنية بالتأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية على الصحة العامة للأفراد والمجتمعات والشعوب، حيث تفرض التغيرات المناخية تهديدات ومخاطر متباينة بين المجتمعات المختلفة، وداخل المجتمع الواحد، وهو ما يتطلب بالضرورة أن تُفصّل الاستجابة لتلك التهديدات والمخاطر بشكل يأخذ في الاعتبار الظروف المحلية، والقضايا الصحية الخاصة، وقدرة نظام الرعاية الصحية على الاستجابة لتلك التحديات.
فبخلاف الإصابات والإعاقات التي تنتج عن الأعاصير المدمرة، وعن حرائق الغابات والمناطق الطبيعية، وعن الفيضانات، أو المجاعات وأمراض سوء التغذية الناتجين عن فترات القحط والجفاف.. تؤثر التغيرات المناخية على منظومة الأمراض، من حيث مدى ونطاق انتشارها، ومعدلات الإصابة بها وأعداد الوفيات الناتجة عنها.
وبالإضافة للسماح للميكروبات بغزو مناطق جديدة، يتيح الاحتباس الحراري غزو الحشرات الحاملة لبعض الأمراض إلى مناطق كانت مستعصية عليها في السابق، وتوسيع مدى نطاق انتشارها. ولا يقتصر التأثير الصحي للتغيرات المناخية على انتقال الأمراض المعدية فقط، فوفقاً لوثيقة صدرت عن منظمة الصحة العالمية قبل أكثر من عقد، تتعدد الجوانب السلبية للتقلبات المناخية قصيرة الأمد على الصحة والسلامة البشرية. هذه الأمثلة، وغيرها الكثير، تُظهر مدى الترابط الوثيق بين التغيرات المناخية وبين الصحة البشرية، والتي قد تنتج عنها عواقب وخيمة تحمل في طياتها أثماناً إنسانية فادحة.
وجدير بالذكر، أن موضوع التصدي لظاهرة التغير المناخي، يعتبر من أولويات حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وشرطاً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدولة. ولذا قامت الإمارات في عام 2016، بتوسيع دور وزارة البيئة والمياه، ليشمل إدارة الجوانب المتعلقة بشؤون التغير المناخي، العالمية والمحلية، وأعادت تسمية الوزارة لتصبح وزارة التغير المناخي والبيئة، بهدف تعزيز جهود الدولة في معالجة مشكلة التغير المناخي، وحماية النظم البيئية الفريدة، بناءً على التوقعات بأن يؤدي التغير المناخي إلى مناخ أدفأ، وهطول أمطار أقل، وجفاف، وزيادة في منسوب مياه البحر، علاوة على حدوث عواصف وأعاصير. وبالإضافة لوزارة التغير المناخي والبيئة، أنشأت الدولة إدارة الطاقة والتغير المناخي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، لتعزيز الجاهزية اللازمة لإدارة التغير المناخي، ولدعم أجندة مصادر الطاقة المتجددة.
وجاءت إضافة ملف التغير المناخي في عام 2016، لتُمثّل محطة مهمة في مسيرة العمل البيئي المستمرة طوال أربعة عقود، بدءاً من اللجنة العليا للبيئة في عام 1975، مروراً بالهيئة الاتحادية للبيئة في عام 1993، ثم وزارة البيئة والمياه عام 2006. وعكست جميع هذه التطورات مراحل الاهتمام بالقضايا البيئية من جهة، وتطور النظرة إلى قيمة البُعد البيئي في التنمية الشاملة من جهة أخرى. وهو ما سيعزز الجهود الوطنية الخاصة بالتعامل مع قضايا التغير المناخي، لحماية مصالح الدولة على المستوى العالمي، والحد من تداعياتها على النظم البيئية والاقتصادية على المستوى المحلي، عبر اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الوقائية، ووضع السياسات الهادفة للحد من المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي والتكيف مع آثاره.