تستحق وزارة الخارجية الأميركية جائزة هذا الشهر عن التحركات والبيانات الصحفية المراوغة، بسبب إخطارها الصادر في 18 أكتوبر الجاري، والمعنون: «حول دمج السفارة الأميركية في القدس والقنصلية العامة الأميركية في القدس»! وكان البيان الصحفي عبارة عن تصريح من قبل وزير الخارجية «مايك بومبيو» يعلن فيه أن القنصلية الأميركية في القدس الشرقية قد تم إغلاقها، وأن مهامها نُقلت إلى السفارة الأميركية في القدس.. وذلك هو الجزء الخطير. أما الجزء المراوغ فهو قول الوزير بأن هذه الخطوة ليس لها معنى سياسي لأنها مجرد إجراء لتوفير النفقات. وجاء نص البيان كالتالي: «يسرني أن أعلن أنه عقب فتح السفارة الأميركية في القدس في 14 مايو الماضي، نخطط لتحقيق كفاءات تشغيلية كبيرة ولزيادة فاعليتنا، وذلك بدمج السفارة الأميركية والقنصلية العامة الأميركية في القدس لتصبح بعثة دبلوماسية واحدة. وقد طلبت من سفيرنا لدى إسرائيل (ديفيد فريدمان) أن يشرف على عملية الدمج». وأضاف: «سنواصل إعداد التقارير وإجراء الاتصالات والبرامج في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك التواصل مع الفلسطينيين في القدس من خلال وحدة الشؤون الفلسطينية الجديدة داخل السفارة الأميركية. وهذه الوحدة ستعمل من خلال موقعنا على طريق (أجرون) في القدس». وتابع البيان: «إن هذا القرار جاء مدفوعاً بجهودنا العالمية لتحسين كفاءة وفاعلية عملياتنا، ولا يشي بأي تغيير في السياسات الأميركية حول القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. ومثلما أكد الرئيس في ديسمبر الماضي، لا تزال الولايات المتحدة ثابتة على عدم اتخاذ موقف بشأن قضايا الوضع النهائي، بما فيها الحدود الرسمية».
وبالطبع، هناك أمور كثيرة في هذا الإعلان، لدرجة أنني لا أعرف من أين أبدأ انتقاده، لكن دعوني أبدأ بزعم أنه مجرد محاولة «لتحسين كفاءة وفاعلية عملياتنا». بالتأكيد يعلم الوزير أن قنصلية القدس ليست مجرد مكتب قنصلي آخر، أما بالنسبة «لمهامها» المذكورة في البيان، أي «إعداد التقارير وإجراء الاتصالات والبرامج»، فتغفل دورها التاريخي الذي لعبه القنصل العام كمسؤول اتصال رسمي بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والحكومة الأميركية. فقد كانت السفارة الأميركية في تل أبيب تتعامل مع إسرائيل والشؤون الإسرائيلية، أما القنصلية فكانت بمثابة سفارة الأمر الواقع للفلسطينيين. وحتى في الأوقات الصعبة، كان القنصل العام يظل متاحاً، وكذلك القنصلية، لاستقبال الفلسطينيين والإنصات لمخاوفهم. وكانت القنصلية جهة التواصل الوحيدة للفلسطينيين الساعين لمساعدة الحكومة الأميركية. والآن، تُرك الفلسطينيون للسفارة الأميركية في إسرائيل كعنوان أميركي وحيد في منطقتهم.
وقد كان من الصعب تماماً أن يحصل الفلسطينيون على تصريح من سلطة الاحتلال الإسرائيلي للسماح بدخول مقر القنصلية في القدس الشرقية. وبالطبع، ستكون زيارة السفارة في القدس الغربية أشد صعوبة. ويعني ذلك أن الفلسطينيين العاديين لن يتمكنوا، مهما كانت نواياهم وأهدافهم، من التواصل مع الممثلين الأميركيين الرسميين. وفي ضوء ذلك، تعتبر هذه الخطوة أكبر وأخطر من مسألة «الكفاءة».
وبالنسبة للفلسطينيين، يشي إغلاق القنصلية ونقل «مهامها» إلى السفارة، بأن الولايات المتحدة لم تعد تراهم شعباً يستحق التواصل المباشر معه. ويتسق ذلك مع الخطوات الأميركية الأخيرة التي تُضاف إلى إنكار حق الفلسطينيين كشعب مستقل وحقه في تقرير المصير. وتتضمن هذه الخطوات: «التشكيك في (شرعية) اللاجئين الفلسطينيين وقطع المساعدات الأميركية عنهم، والأمر بإغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، والإذعان لقانون الدولة القومية اليهودية الذي يعلن أن الشعب اليهودي وحده هو من له حق تقرير المصير على (أرض إسرائيل)».