ما الذي يجري داخل إدارة ترامب؟، وهل الأمر مجرد استقالات تتابع من كبار أعضاء ومسؤولي إدارته أم أن هناك من يحاول أن يقفز من سفينته قبل أن تغرق؟
على حين غرة وجهت «نيكي هيلي» سفيرة ترامب إلى الأمم المتحدة خطاب استقالتها، ذاك الذي لم يكن متوقعاً، لاسيما وأنها تمثل القوة الضاربة الأيديولوجية للرئيس الذي يؤمن بالأحادية الأميركية، قوته الحاضرة في مجلس الأمن وبقية أروقة المؤسسة الأممية، والتي كانت مدة خدمتها القصيرة عنواناً للتنازع الأميركي مع بقية دول الأرض.
أحد الأسئلة التي شغلت الشارع الأميركي الأيام القليلة الماضية ما الذي دفع هيلي للاستقالة؟ والشاهد أن الأجوبة تعددت، فهناك من قال إنها تعد نفسها للانتخابات الرئاسية المقبلة 2020 أو 2024 على أبعد تقدير، والبعض الآخر ذهب في طريق تفضيلها العمل في القطاع الخاص الأميركي الذي يدر مكاسب كبيرة على منسوبيه.
لكن الحقيقة شبه المؤكدة هي أن التناغم بين «هيلي» وترامب قد تضاءلت، لاسيما وأنها من الداعمين لحقوق المرأة بشكل كبير، ويبدو أنها دافعت بشكل مبطن عن بعض اللواتي يتهمن الرئيس ترامب في مسائل أخلاقية، كما أن موقفها من تعيين القاضي «كافانو» كعضو في المحكمة العليا، برغم الاتهامات التي وجهت إليه والمماثلة لإشكاليات رئيسه قد سببت فجوة بينها وبين ترامب، عطفاً على أن وجود جون بولتون «صقر المحافظين الجدد» بجانب ترامب مع الكراهية التاريخية التي يُكنها للأمم المتحدة، جعل هيلي شبه معزولة داخل الإدارة الحالية برغم تمتعها بدرجة وزير وحضورها اجتماعات مجلس الأمن القومي الأميركي.
يمكن القطع بأن هيلي لها طموحات سياسية كبيرة، ولهذا فإنها فضلت مغادرة سفينة ترامب المتعثرة قبل أن تتفرغ لمشروعها السياسي المقبل، لاسيما وأنها ترى إرهاصات غير مبشرة لمستقبل تلك الإدارة.
استقالة «هيلي» أحيت الأحاديث الدائرة عما يجري في البيت الأبيض، وهل هناك ما يشبه الانقلاب ضد إدارة ترامب، وحديث الانقلاب أشار إليه «ستيف بانون» العقل المفكر الذي قاد ترامب مع آخرين إلى المكتب البيضاوي، قبل أن يغادر مكرهاً وليس طوعاً، ويمضي إلى أوروبا لنشر ثورته اليمينية بين صفوف الأوروبيين، وهذه قصة أخرى.
رحيل هيلي في هذا التوقيت فأل سيئ بالنسبة لترامب وانتخابات الكونجرس، فهي تنتمي إلى الجنوب الأميركي الداعم تقليدياً للحزب الجمهوري، وليس خافياً عن أعين الناظر للمشهد الأميركي أن بقاء «الجمهوريين» في وضعهم الحالي أي الهيمنة الكاملة على الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، أمر يعني بقاء حائط الصد والرد الذي يحمي ترامب من احتمالات الإقالة حال ثبت عليه الجرم المشهود.
خلال أقل من عامين هما عمر إدارة الرئيس الأميركي استقال نحو ثمانية وعشرين من كبار رموز إدارته، بعضهم أسماء لامعة، لكن جميعهم ارتبط بإشكاليات أقرب إلى الفضائح، وفي المقدمة منهم الجنرال مايكل فالون الذي دعم ترامب بشكل كبير في طريقه إلى الرئاسة، لكن اتصالات فالون السرية مع السفير الروسي في واشنطن أجبرت ترامب على إقالته، وبات السؤال من تنصت على اتصالات "فالون"، وكشف عن تلك العلاقة، ثم وهذا هو الآخر في وضع إدارة ترامب المأزومة هل سيمضي «فالون» في صفقته السرية مع القضاء الأميركي ليحطم ما تبقى من تماسك ترامب ومن حوله؟
الإدارة المأزومة التي نتحدث عنها هي التي عمقت عداوتها مع جهاز المباحث الاتحادية، وذلك حين أقال ترامب «جيمس كومي» مدير المكتب بتوصية من وزير العدل «جيف سانشيز»، وذلك على أمل أن تخف وطأة الجهاز في البحث عن علاقة ترامب بالروس، أو ما يُعرف بروسيا غيت، وغاب عن ترامب أن حلفاء وأصدقاء كومي في الداخل سيحفرون عميقاً تحت الأرض لتوجيه ضربة ساحقة ماحقة لترامب، وهو الخط الذي يسير عليه «موللر» بقوة.
لم نشهد إدارة سيئة العلاقة مع جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية كما هي الحال مع ترامب، فقد ألغى مؤخراً التصريح الأمني لمدير الجهاز السابق «جون برينان»، معتبراً أن رجالات الاستخبارات المتنفذين هم العدو الأول لإدارته، ما فتح أبواب الجحيم على البيت الأبيض، وجعله في مرمى سهام حلف الاستخبارات الأميركية الظاهر منه والخفي على حد سواء.
وبالقدر نفسه من العداوة، لم يسكن البيت الأبيض رئيس أظهر مشاعر البغض والكراهية العلنية للصحافة الأميركية كما فعل ترامب. وحين نشرت «نيويورك تايمز» خطاباً كاتبه لم يفصح عن شخصيته من داخل إدارة ترامب ونشرته "النيويورك تايمز"، تأكد الجميع أن النسيج الاجتماعي لتلك الإدارة بات مهترئاً، إلى درجة عدم وجود موثوقية في الرئيس من كبار أركان إدارته، بحيث أنهم يخفون أو الأصح يسرقون بعض الملفات المهمة والحساسة من على مكتبه وحتى لا تطالها يداه، خوفاً من ردات فعله.
أميركا والعالم في انتظار نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والتي ستكون بمثابة استفتاء على سياسات ترامب وإدارته، أكثر من كونها انتخابات تشريعية. وإن غداً لناظره قريب.