عندما وطأت أقدام «نيل أرمسترونج» و«باز ألدرين» سطح القمر في يوليو 1969، وهبا الولايات المتحدة، والعالم بأسره، هبة عظيمة بإرساء حقائق راسخة. فقد أثبتا أن بمقدورنا تحقيق أقصى أحلامنا وأكثرها صعوبة. وبرهنا بما لا يدع مجالاً للشك فكرة الاستثنائية الأميركية. ومعظم فريق العمل في فيلم «أول رجل»، الذي يجسد السيرة الذاتية لـ«نيل أرمسترونج»، ولد بعد الهبوط على سطح القمر. وقد ولدنا في عالم كانت فيه دوماً تلك الحقائق داحضة، وفي ترف اعتبار الهبوط على القمر من المسلمات.
لكن ماذا تطلب الأمر من أجل تحقيق إنجاز تاريخي بهذا الحجم؟
هذا هو ما أراد مخرجنا «داميان تشازل» وبقية فريقنا استكشافه. وأردنا أن نصطحب المشاهدين بالعودة عبر الزمن عندما لم يكن النجاح أمراً مفروغاً منه، لنجد كيف تقبل الأميركيون فكرة انتقاء بعض من أجرأ وأذكى مواطنينا ووضعهم في كابسولات صغيرة على قمم صواريخ وإرسالهم إلى المجهول. وكيف بدا الأمر لروّاد فضاء يخاطرون بأرواحهم، وكيف كانت مشاعر أفراد أسرهم الذين ينتظرون في منازلهم؟ وماذا كلفهم الأمر كأفراد، وكلّفنا كأمة؟
وقد تطلبت الإجابة على تلك الأسئلة كثيراً من البحث، بدأت بالسيرة الذاتية لـ«نيل أرمسترونج» والتي كتبها «جيمس هانسن». وعرّفنا أيضاً العاملون في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» إلى عدد كبير من روّاد الفضاء والمسؤولين عن مراقبة الرحلات والخبراء التقنيين من برنامجي «جيميني» و«أبولو». ومن الجدير بالذكر، أن متوسط الأعمار في مركز «مراقبة البعثة» أثناء رحلة «أبولو 11» كان 28 عاماً. ففي ضوء حداثة المجال في ذلك الوقت، لم يكن هناك عدد كبير من الخبراء، وجميعهم كانوا شباباً رجالاً ونساء، تدفعهم الإثارة بشأن إمكانية ما كان من المحتمل أن يكون بخلاف ما تحقق. وبرغم ذلك تحملوا مسؤوليات جسيمة، وقبلوا التحدي.
ولعل الرغبة في قبول المجازفة والتضحية من أجل حلم قومي هو أحد أكبر الملامح التي تكشف أن دولتنا تغيرت منذ بعثات «أبولو». فخارج الجيش، قلما نرى هذه الرغبة على الإطلاق. ولا شك في أن البعثات إلى القمر كانت مكلفة، على صعيد المال والأرواح، لكن ما حققناه غير وجه التاريخ.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»