في ضوء التداخلات المحلية والإقليمية والدولية، ضاعت البوصلة ممن خرجوا على سياسة بلدانهم العربية في دهاليز الأحداث وتعقيداتها السياسية الشائكة. ضَل المعارضون الطّريق، في خضم الموجات المتلاحقة، إلى أن تحولوا لبائعي أوطان جائلين، تتلقفهم أيادي الدول لتحولهم أذرعاً سياسية وعسكرية، وفق مصالحها، تعدهم بالدعم وبتوصيلهم لمراكز مرموقة!
النموذج الحي في الشارع السياسي حالياً، هو «توكل كرمان» التي تعمل كبائعة وطن متجولة، تركت شعبها لتسكن في فنادق إسطنبول، يستغلها «إخوان» قطر للتظاهر في الشارع ضد السعودية. والسؤال هو: هل يحق لها استغلال جائزة «نوبل» (مناصفة) للعمل معارضةً مأجورةً لمصلحة قطر وتركيا، متجاهلة معاناة شعبها الذي يعيش تحت سطوة الحوثيين؟ الأمر يحتاج إلى حملة لسحب الجائزة التي هي ملك للمجتمع الدولي.
النموذج الآخر لبائعي الأوطان هو جماعة «الإخوان المسلمين»، فتجربتهم في مصر منذ الأربعينيات، جعلتهم يمارسون التخفي مرة والظهور مرة أخرى، محاولين التشبث بآمالهم في الوصول إلى السلطة، والتي ما فتؤوا يرنون إليها في تجلياتهم الأيديولوجية. وقد حالفهم الحظ لنيل الحكم مرة، لكنهم لم يذوقوا حلاوته طويلاً بما كسبت أيديهم! وها هم يبيعون وطنهم بدعمهم الإرهاب في سيناء، ومحاولاتهم ضرب الجنيه المصري ورفع الليرة التركية.
المحللون السياسيون يَرَوْن في «الإخوان» الغباء السياسي متجسداً، لاسيما منذ «ثورة 25 يناير» التي ركبوا موجتها في الْيَوْمَ الثالث من الاحتجاجات وسمحوا لشبابهم بالمشاركة حتى لا تفوتهم الفرصة، فانقضوا على الثورة لقطف ثمارها دون أدنى شعور بالحياء. كما دفعوا بمرشدهم القرضاوي إلى منصة الاحتفال، بعد أن منعوا قائد حركة يناير من اعتلاء المنصة لإلقاء بيان نجاح الثورة!
ولقلة خبرتهم السياسية، ساد حكمَهم سلوكٌ أقربَ لإدارة الجمعيات الخيرية. وكان أكبر خطأ ارتكبوه، وقد عدَّه السياسيون «انتحاراً سياسياً»، اعتصامهم في ميدان رابعة العدوية، معلنين التمسك بشرعية منتهية، رغم الوساطات السياسية (وضمنها الوساطة الأوروبية)، ما أضاع عليهم فرصة القبول كحزب سياسي في الساحة المصريّة، فكتبوا بيدهم النهاية المأساوية.
نموذج إخواني آخر، هو حزب «الإصلاح» في اليمن، وهو من أسوأ جماعات «الإخوان» في العالم العربي، في التلون والتحول السياسي.. فهم يؤمنون بحليفهم في الصباح ويكفرون به في المساء، كما حصل في تحالفهم مع الرئيس علي عبدالله صالح الذي استخدمهم ضد الحوثيين، وتحولهم للتحالف مع الحوثيين عندما شاهدوا استيلاءهم على المحافظات، فساعدوهم في احتلال عدن، وقاموا بعرقلة المقاومة الشرعية لدى محاولتها دخول وسط محافظة تعز.. وبذلك يسجل «الإصلاح» شرف انتمائه -مع الحوثي- لولاية الفقيه.
ميدانياً، وبينما تجري الاستعدادات في الساحل الغربي لتحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، بدأ «الإصلاح» (ذراع «الإخوان» الإرهابية في اليمن)، تكثيف تحركاته لعرقلة التحرير عبر إرباك المشهد السياسي والعسكري في المناطق المحررة، ضمن مخطط خبيث تموله قطر. مليشيات «الإصلاح» تحتفظ بقواها العسكرية لاستخدامها في النهاية.
وثمة نموذج آخر هو «حماس» (فرع «الإخوان» في غزة) التي تعمل على تعميق الانفصال، دون أن يخالجها أدنى شعور بالخجل تجاه أشقائها في السلطة الفلسطينية، والالتزام بالمصالحة الوطنية التي رعتها المملكة العربية السعودية. وبكل عنجهية، حللت «حماس» لنفسها ما كانت تحرمه على السلطة الوطنية وبقية الحركات الفلسطينية، أي أن لا تفاوض ولا تصالح مع إسرائيل. وتقوم قطر، بتشجيع إيراني، بجر «حماس» برقبتها إلى نتنياهو لتعزز الهدنة القائمة، ولتبتلع الحركة ما تُلقي لها إسرائيل من فتاتٍ، لعلها تشكل كياناً سياسياً انفصالياً، دون اكتراث لنتائج الانفصال على القضية الفلسطينية، لاسيما موضوع القدس، فهذا مأرب تريد إسرائيل تحقيقه.