إعلان البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، أن نيكي هيلي ستترك منصبها كسفيرة لأميركا في الأمم المتحدة، باغت معظم الناس بمن فيهم موظفو البيت الأبيض. لكن الأمر لم يستغرق طويلاً لتقييم فترة توليها المنصب. والتقييم الإجمالي لفترتها في المنصب متباين؛ فهي تستحق الدرجة النهائية لحصولها على عقوبات أشد على كوريا الشمالية وجنوب السودان عبر مجلس الأمن الدولي، رغم تردد روسيا والصين. والدبلوماسيون أشادوا بالعمل معها رغم الاختلاف في وجهات النظر. وهذا لا يعني القول بأن فترة ولايتها كانت نجاحة بلا شائبة؛ فهي لم تتعامل مع الأمور بحنكة دائماً؛ فقد ردت على المعارضة الكاسحة لقرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس بانتقادات لاذعة لمعارضيها. وحين دافعت عن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زعمت أن جماعات حقوق الإنسان الأميركية «تحيزت للصين وروسيا»، وهي مقولة كاذبة.
لكن خلافاً لباقي شخصيات إدارة ترامب، احتفظت هيلي بقدر كبير من الاحترام في الدوائر المحافظة. لقد كانت صوتاً منفرداً في دعم إسرائيل وسط هيئة معادية لها وكانت قوة للتصدي لروسيا وسوريا وإيران. كما كسبت الاحترام لرفضها التراجع عن انتقاد روسيا. لكن كيف استطاعت ذلك؟
تتمتع هيلي بخصلتين جعلتاها استثنائية في فريق ترامب للسياسة الخارجية؛ أولهما، كونها سياسية محترفة، لذلك استطاعت أن تبعث برسائل لجماعات الناخبين الرئيسية، كأن ترضي البيت الأبيض أحياناً وجماعات أخرى في أوقات أخرى. وأعلنت هيلي في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، أن «الولايات المتحدة الآن تتمتع بالاحترام. الدول قد لا يروقها ما نقوم به، لكنها تحترم ما نفعل»، وهذا خطأ صريح تماماً، لاسيما بالنظر إلى نتائج استطلاعين للرأي صدرا هذا الشهر، أحدهما عن مركز «بيو» البحثي بشأن التوجهات العالمية نحو الولايات المتحدة، وثانيهما عن «مجلس شيكاغو للشؤون العالمية» حول توجهات السياسة الخارجية الأميركية.
لذلك عبّرت ابيجيل تراسي، المسؤولة السابقة البارزة في الإدارة الأميركية لمجلة «فانتي فير» عن اعتقادها بأن «الفترة التي قضتها هيلي في الأمم المتحدة أوضحت بشدة أنها ستفعل كل ما هو عملي سياسياً لتخدم طموحاتها السياسية مستقبلاً. كل موقف اتخذته كان موجهاً لتلميع أوراق اعتمادها للترشيح لمنصب الرئيس في الانتخابات المقبلة. وإذا كان الأمر كذلك، فقد أفاد هيلي مسعاها، لأن نسب التأييد لها في استطلاعات الرأي جيدة، حتى وسط الديمقراطيين.
أما الخصلة الثانية فتتمثل في موهبة هيلي الحقيقية وهي كونها تختار المعركة الصحيحة في الوقت الصحيح داخل إدارتها. فحين أعلن لاري كودلو مدير المجلس الاقتصادي القومي أن هيلي لابد أنها كانت مرتبكة بسبب عدم إقرار إعلان عقوبات على روسيا، ردت: «مع كل الاحترام. لم ارتبك». وهذا التصريح قدم شيئاً استثنائياً وهو اعتذار من مسؤول في البيت الأبيض في عهد ترامب.
وفي نهاية المطاف، ما يمكننا الخروج به من مغادرة هيلي لمنصبها هو أنها كانت ملائمة في منصبها بالأمم المتحدة، بينما لم يُظهر هذه الملائمة إلا عدد قليل من مسؤولي الأمن القومي في إدارة ترامب. وعلاوة على هذا، كان تركها للمنصب وفق شروطها على خلاف ترك كل من ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق وجاري جون المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض وإتش. آر. مكماستر مستشار الأمن القومي.. لمناصبهم.

دانيال دريزنر
أستاذ السياسة الدولية في جامعة «تافتس» الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»