على الرغم من التقارير الإخبارية عن فوز حزب «مؤيد لروسيا» في الانتخابات البرلمانية التي أجريت خلال الآونة الأخيرة في لاتفيا، فإن هذه الانتخابات تقدم دليلاً على أنه إذا حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي نجاح في دول البلطيق، فلن يكون ذلك من خلال مؤسساتها الديمقراطية. وليس ثمة شك في أن بوتين يضع نصب عينيه دول البلطيق. ففي الوقت الذي يواجه فيه الكرملين عقوبات أوروبية بسبب مغامراته الأوكرانية، من الطبيعي أن يبحث عن وسيلة للوصول إلى الاتحاد الأوروبي من خلال الأقليات الروسية الكبيرة في استونيا ولاتفيا –التي تمثل ربع عدد سكان كل من الدولتين –التي غالباً ما تشاهد التليفزيون الرسمي الروسي وتبحث عن معلومات باللغة الروسية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد ذكر «ميخائيل خودوركوفسكي»، أحد أبرز المعارضين الروس لبوتين والمنفي حالياً، لمجلة تصدر في لاتفيا الشهر الماضي: «سيحاول بوتين التأكد من أن السياسيين لديكم لا يشعرون بالأمان. وإذا اعتمد على القوى الهامشية الموجودة في أي دولة، فإنه سيزيد الصراعات بهدف إضعاف النخبة السياسية وجعلها تشعر بالاعتماد عليه». ومع ذلك، فإن نتائج الانتخابات في لاتفيا، وكذلك الاتجاهات الديموغرافية هناك، وفي استونيا المجاورة، تظهر مدى صعوبة تحقيق هذا الهدف.
ومن السهل وصف حزب «الوئام» (أو هارموني) اليساري الوسطي الذي فاز في الانتخابات التي أجريت في لاتفيا يوم السبت قبل الماضي بنسبة 19.8% أنه «مؤيد للروس». وزعيمه «نيلس أوشاكوفس»، عمدة العاصمة ريجا، هو روسي عرقي، وكذلك «فاجاسلافس دومبروفسكيس»، مرشح الحزب لتولي رئاسة الوزراء. وقد كان حزب الوئام لديه اتفاق تعاون مع روسيا الاتحادية برئاسة بوتين. ولطالما كان الروس اللاتفيون يفضلون هذا الحزب عن سائر الأحزاب لأنه تعهد بتسهيل الحصول على التعليم باللغة الروسية وأن يحافظ على علاقات اقتصادية أوثق مع جارته العملاقة. إذن، هل فاز الحزب المؤيد لروسيا في الانتخابات؟ لا في الحقيقة.
لطالما كان "أوشاكوفس" يحاول مبادلة صورة حزبه «الروسية» بصورة القوة السياسية الاجتماعية الديمقراطية السائدة. وقد قام «هارموني» بحل اتفاقية روسيا الاتحادية في العام الماضي عندما انضم إلى حزب الاشتراكيين الأوروبيين، الذي يجمع كافة القوى اليسارية الوسطية الأكثر تأثيراً في الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة لانتخابات يوم السبت، قام بتجنيد السياسيين اللاتفيين العرقيين، وبعضهم من ذوي الخبرة الحكومية، لرئاسة حملاته الإقليمية، وكان دومبروفسكيس هو الروسي الوحيد في الصفوف العليا للحملة. وقال أوشاكوفس في مقابلة تليفزيونية «لقد عملنا على التحول إلى حزب كامل قادر على توحيد اللاتفيين وغير اللاتفيين».
هذه المحاولة للمباعدة بين الناخبين المنقسمين على أسس عرقية تجعل من المستحيل بالنسبة لحزب «هارموني» اتباع سياسات قوية مؤيدة للكرملين. وقال «أوشاكوفس»: «إننا نؤيد موقف الاتحاد الأوروبي الموحد من روسيا بغض النظر عما هو عليه»، مضيفاً أن لاتفيا من أكثر الدول التي تعاني بسبب العقوبات الأوروبية على روسيا.
وربما تكون محاولات أوشاكوفس لتغيير الصورة «المؤيدة لروسيا» قد قوضت أداء حزب «هارموني» في الانتخابات. فقد فاز بنسبة 28.4% في عام 2011، وبنسبة 23% في 2014 وبأقل من 20% في 2018. وبهذا، يكون هارموني قد خسر 36% من الدعم في الانتخابات منذ 2011 بسبب تدني شعبيته، وكذلك بسبب تقلص نسبة المشاركة في دولة تعاني من نقص عدد السكان.
وببساطة، استطاع «هارموني» انتقاء بعض أصوات اللاتفيين لكنه خسر القليل من أصوات الروس. وذهب بعض هؤلاء إلى الاتحاد الروسي اللاتفي، وهو حزب هامشي يفضله الكرملين عن «هارموني» لأنه يقدم إحدى أفكار بوتين المفضلة –وهي فكرة «العالم الروسي» الذي ينتمي إليه الروس العرقيون أينما يعيشون. لكن الاتحاد اللاتفي الروسي فاز بـ 3.2% فقط من الأصوات، وفشل في دخول البرلمان.
وبعد الدورتين السابقتين للانتخابات، التي حصل فيها حزب "هارموني" على المركز الأول، أبقته الأحزاب الأخرى خارج الحكومة لأنها كانت تراه كحصان طروادة روسي. ولكن حتى إذا انتهى الحال بحزب «أوشاكوفس» في الحكومة، فمن غير المرجح أن تتحول لاتفيا لتصبح أكثر تأييداً لروسيا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»