اعتادت الهند وروسيا وصف علاقتهما بـ «الصداقة طويلة الأمد»، في إشارة إلى علاقات وثيقة جمعتهما إبان الحرب الباردة. ولكن في ظل تغير المعادلات في العالم، ربما لم تعد الدولتان تتفاخران بالعلاقات الوثيقة نفسها، ولكنهما ما زالتا تمثلان أهمية لبعضهما بعضاً. وهذا الأسبوع، أبرمت الدولتان عقد توريد أنظمة دفاع صاروخي بقيمة 5 مليارات دولار أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على أي صفقة مع روسيا.
لقد كانت الهند وروسيا حليفتان إبان الحرب الباردة، حيث تعود العلاقة بينهما إلى خمسينات القرن الماضي. ولسنوات، كانت الهند تعتمد على روسيا في الحصول على إمداداتها العسكرية، ولكن قربها المتزايد من الولايات المتحدة، لاسيما خلال السنوات الخمس الأخيرة، أثر على علاقاتها مع موسكو. وبدورها، طورت روسيا علاقاتها مع باكستان، المنافس اللدود للهند. وبينما تتزود الهند، بشكل متزايد، بالأسلحة من بلدان أخرى مثل فرنسا وإسرائيل، إلا أن معظم عتادها العسكري من أصل روسي، علاوة على اعتمادها على روسيا للحصول على قطع الغيار.
وقد جاء الرئيس بوتين إلى الهند في إطار تنسيق بدأ عام 2000. وهذه المرة كان الحدث الأبرز في الزيارة هو توقيعه على اتفاق مع الهند لبيع خمسة أنظمة دفاع جوي إس-400 «تريامف»، وهي أنظمة صاروخية أرض –جو مضادة للطائرات ذات مدى بعيد. ومن المتوقع أن يعزز النظام قدرات الهند الدفاعية ويعطي الدولة الجنوب آسيوية قدرات لاستهداف جميع القواعد الجوية في باكستان المنافسة. وفي حين أن هذا قد يبدو مجرد صفقة دفاعية أخرى، إلا أنه له تداعيات مختلفة بالنسبة للهند في الوقت الذي تلاحق فيه الولايات المتحدة روسيا.
وتخاطر هذه الصفقة بفرض عقوبات أميركية عليها بموجب قانون فيدرالي يدعى «مواجهة أعداء أميركا من خلال قانون العقوبات»، والذي كان يستخدم لفرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا. وقد حذرت الولايات المتحدة من أن الدول التي تشتري معدات عسكرية روسية من الممكن أن تواجه عقوبات. وأيضاً، قبل بدء المحادثات مع الهند، حذرت واشنطن نيودلهي من أن صفقة النظم الصاروخية كانت «محور تركيز» لتنفيذ قانون مواجهة أعداء أميركا، ما يعني أنها تقع ضمن نطاق العقوبات.
ويبذل المسؤولون الهنود جهوداً حثيثة في الوقت الحالي للحصول على إعفاء من الولايات المتحدة التي أصبحت في الماضي القريب حليفاً مقرباً لنيودلهي. وقد طورت الدولتان معاً استراتيجية لكبح جماح الصين العدوانية من خلال تحالف منطقة المحيط الهادئ - الهندي. وأيضاً، في علامة على التصرفات المتوازنة التي تقوم بها الهند، أكد رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي عزز علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، على أهمية علاقات الهند مع روسيا بقوله إن الهند تعطي أولوية لعلاقاتها مع روسيا. وأكد أنه في وقت تغيير المعادلات، أصبحت العلاقات بين الهند وروسيا أكثر أهمية.
من الواضح أن الهند لا تريد وضع كل البيض في سلة واحدة. وهذا يعني أنه في الوقت الذي تزداد فيه قرباً من الولايات المتحدة، فإنها تحاول موازنة علاقاتها بالحلفاء التقليديين مثل روسيا، والتي بدورها أقامت في الفترة الأخيرة علاقات أوثق مع باكستان، المنافسة للهند. وعندما يتعلق الأمر بالتأهب الدفاعي، لا يمكن أن تكون هناك تنازلات. فالهند تحدها باكستان والصين، وهما دولتان لها معهما علاقات عسيرة. وفي هذه الخلفية، فإن الهند تبعث أيضاً برسالة مفادها أنها ستبذل ما بوسعها للتأكد من أن استعدادها الدفاعي في محله. وفي الواقع، فإن توقيع اتفاق نظام الدرع الروسي في مواجهة معارضة الولايات المتحدة أمر مهم، لأنه يظهر أنه على الرغم من التقارب المتزايد من واشنطن، ستستمر الهند في متابعة سياسة لا تخسر فيها روسيا أمام منافستها باكستان.
ومن ناحية أخرى، تشعر الهند بالقلق من تزايد التشابه في وجهات النظر بين باكستان وروسيا فيما يتعلق بدور «طالبان» في أفغانستان في المستقبل. وبالتالي، بغض النظر عن تعزيز قدرتها العسكرية من خلال هذه الصفقة، تحاول نيودلهي أيضاً إخراج موسكو من أي تأثير محتمل لاستراتيجية إسلام آباد في أفغانستان. ولا تريد الهند سوى عملية مصالحة سلام وطنية في أفغانستان بقيادة حكومة أفغانية دون وجود لأي دور لباكستان أو «طالبان» فيها. وعلى الرغم من ذلك، فقد أعلنت الدولتان أنهما ستعملان على حل القضية الأفغانية من خلال تنسيق موسكو، ومجموعة الاتصال بمنظمة شنغهاي للتعاون حول أفغانستان وجميع الأشكال الأخرى المعترف بها «من أجل التوصل إلى حل مبكر للصراع طويل الأمد في أفغانستان».
إن توقيع صفقة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، بعد المحادثات الاستراتيجية 2+2 بين الهند والولايات المتحدة في الشهر الماضي، لهو مؤشر واضح على أن الجانبين قد ناقشا القضية في اجتماعاتهما، وأن نيودلهي لا بد وقد تلقت إشارة من الولايات المتحدة بشأن التنازل عن العقوبات بموجب قانون «مواجهة أعداء أميركا من خلال قانون العقوبات». إن القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية لبكين هي مدعاة للقلق بالنسبة لواشنطن، والخيار الوحيد الذي أمامها في الوقت الحالي هو تكوين تحالف مع نيودلهي لمواجهة الطموحات الصينية المتزايدة. ومن شأن قانون الولايات المتحدة ذي الصلة أن يمكّن ترامب من التنازل عن فرض عقوبات على الصفقات الفردية لمساعدة حلفاء واشنطن.
وعلى الجانب الآخر، أعلن رئيس أركان القوات البرية الهندية «بيبين روات» أن بلاده تعرف أن الولايات المتحدة يمكن أن تفرض عقوبات عليها لشرائها أسلحة روسية، لكنها تنتهج رغم ذلك سياسة مستقلة.
وصرح الجنرال «روات» لصحيفة «نيو إنديان اكسبرس»: «روسيا يجب ألا تشعر بالقلق» (بسبب تطوير العلاقات بين نيودلهي وواشنطن). أنتم (روسيا) يمكن أن تكونوا على يقين أنه على الرغم من أننا نحافظ على اتصالات مع الولايات المتحدة للحصول على التكنولوجيا، فإننا ننتهج سياسة مستقلة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي