في بعض الأحيان يكون الخلاف السياسي مجرد تضارب في الاستعارات بين المتنافسين، أكثر منه خلافاً جوهرياً حول قضايا وتصورات واقتراحات متباينة. فالأحزاب السياسية في الغرب تتبنى، غالباً، القضايا والآراء نفسها، لاسيما مع انتهاء الاستقطاب الأيديولوجي الذي كان سائداً من قبل، وميل الجميع إلى طريق ثالث، يأخذ من الرأسمالية الحرية ومن الاشتراكية العدالة. لهذا يكون الخلاف الظاهري أشبه بحيلة سياسية، يتم توظيف الاستعارة فيها على نطاق واسع. وهنا يقول الكاتب الأميركي «توماس فيشر»: (ليس لدينا مشكلة سياسية في الولايات المتحدة، بل هي مشكلة استعارة، إذ لدى الحزبين السياسيين المهيمنين صعوبة كبيرة في الاتفاق لأن كلاً منهما يستخدم استعارة مختلفة، وهو ما يؤثر بدوره على الكيفية التي يرى بها العالم وكيف يريد تغييرها. فـ«الجمهوريون» يميلون إلى استخدام استعارة كمية لوصف ما تعانيه الولايات المتحدة، فيرون أن الحكومة كبيرة جداً، ويعتقدون أن الوضع سيكون أفضل مع حكومة أصغر. في المقابل، يميل «الديمقراطيون» إلى استخدام استعارة نوعية، حيث يرون أن الحكومة تلعب دوراً حاسماً في تحسين نوعية حياة الناس، ونوعية البيئة الطبيعية، والصفات الأخلاقية التي جعلت من أميركا رائدة على مستوى العالم).
في الحقيقة هناك ثلاثة أنماط من التوظيف السياسي الهادف للاستعارة، الأول هو العقلاني، والثاني القائم على العاطفة، والثالث يتعلق بالاستراتيجية التي ترتبها الاستعارة المفهومية، من منطلق أنها هنا تكون نوعاً من الأداء السياسي الذي يتكئ على الكلام، بغية تحقيق الإقناع، وفي الحالات الثلاثة يتم استعمال الاستعارات بشكل ميكانيكي في الخطاب السياسي، فتعبيرات من قبيل «المؤسسات الحية» و«الحكومات المتوازنة» نستعملها باعتبارها أمراً عادياً في النقاش السياسي السائد. نظراً لهذا لم يعد الانشغال بالاستعارة قضية تهم علماء اللغة فقط.
فمثلاً هناك أطروحة علمية بجامعة جنت الألمانية، للباحثة حنا بيننك حول توظيف الاستعارة في الخطاب السياسي خلال الأزمتين الماليتين العالميتين اللتين وقعتا عامي 1929 و2008 تبين أن الاستعارة كانت أداة بلاغية رئيسية في خطاب الأزمة، حيث تم بإفراط استخدام تعبيرات من قبيل «إعصار اقتصادي» و«فقاعات تطلقها سوق شائهة» و«انهيار سوق العقارات»، وكان هناك من يطلقها عفوياً، وربما من اللاشعور، لكنها ساهمت في توجيه الأفكار التي تفاعلت من الأزمة، في سبيل البحث عن مخرج منها.
وقارنت الباحثة بين القادة السياسيين الأميركيين والبريطانيين من زاوية توظيف الاستعارة في الخطاب السياسي المعبر عن مجريات الأزمتين، من حيث أسبابهما وتأثيرهما وسبل الخروج منهما، وبرهنت على أن هذا التوظيف كان أغزر في أزمة 2008 منه في أزمة 1929، وأن الأميركيين أطلقوا استعارات أكثر كثافة، كانت في الحالتين سبيلاً ممهداً لإفهام الناس ما يجري في بساطة ويسر، وتمثيل المسائل المالية المستغلقة على أفهام عموم الناس بطريقة أكثر وضوحاً ترمي إلى طمأنتهم حيال قدرة قادتهم على عبور الأزمة. وبينت الدراسة أن الرئيس جورج بوش الابن، وعلى النقيض من افتقاد خطاباته للنزعة الشعبوية، كان أكثر استعمالاً للاستعارات من خلفه باراك أوباما، ربما لتعويض الفقر البلاغي الذي يتسم به خطابه، وأن «الجمهوريين» في أميركا كانوا أكثر ميلاً إلى الاستعانة بالاستعارات من «الديمقراطيين»، وأن العمال كانوا أكثر توظيفاً لها من المحافظين في بريطانيا، وأن تلك الاستعانة كانت أقوى في أزمة 2008 مقارنة بسابقتها، على النقيض مما يتصوره بالبعض من تخفف الخطاب السياسي من الرطانة، وميله أكثر إلى استعمال لغة وظيفة مباشرة لا تحتمل تأويلات عديدة.
وهناك أيضاً أطروحة بجامعة زغرب الكرواتية شارك فيها مجموعة باحثين حول «توظيف الاستعارة المفهومية في الاتصال السياسي» طبقت على عينة من كلام إيفو يجوسيبوفيتش، الذي أصبح رئيساً لكرواتيا خلال الفترة من 2010 إلى 2015، هي عينة مستقاة من مقابلات متلفزة معه.
وبرهنت الدراسة على أنه إذا كانت السياسة تدور حول القوة، فإن القوة الصريحة تعتمد على اللغة في الأساس، أي على الطريقة التي تعزز بها هذه اللغة الآراء التي نبديها. ولهذا فإن غالبية الإدارات السياسية لديها مستشارون مختصون لكتابة الخطب، التي لا يمكن أن تخلو من استعارات، فهي موجودة في كل خطابات الساسة تقريباً، ليس لأنهم بالضرورة مغرمون بها، لكن لأنها تساعدهم على أن يكون خطابهم أقرب إلى أذهان من يتوجهون إليهم بالحديث، ومثل هؤلاء يجعلون أحياناً الخلاف السياسي إما مسألة شكلية أو مفتعلة.