خرجت «ندوة تحالف عاصفة الفكر» النسخة السابعة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في مقره بمدينة أبوظبي يومي 8 و9 أكتوبر الجاري بعنوان «المستقبل العربي في عصر التكنولوجيا»، بمشاركة نخبة من المسؤولين والمفكرين والخبراء وممثلي مراكز البحوث والدراسات في عدد من الدول العربية بجملة من التوصيات المهمة، جمعت بين طرح رؤى المتخصصين، وخبراء التكنولوجيا، ومنشغلين بالسياسة ومبدعين في مجالات الفكر والأدب، وقد جاءت في ست عشرة توصية، تمثل رؤى قابلة للتنفيذ، وفلسفات للتغيير، التي إن تحققت بصدق وإخلاص مكَّنتْنا من دخول المستقبل بأمان، من خلال تحديد الموقع، وليس فقط كيفية المشاركة مع الآخرين في صِيَغ البحث عن التعايش.
من ناحية أخرى، تمكنت ندوة «تحالف عاصفة الفكر» من تحقيق ثلاثة نجاحات مساندة تضاف إلى هدفها الأساسي المتعلق بالعصف الذهني لأجل إسهام عربي في عصر التكنولوجيا حاضراً ومستقبلًا، الأول: استعادة الخطاب القومي لجهة تجميع العرب حتى على المستوى النظري على الأقل، وقد تجلى ذلك في الحديث من جديد على المشاريع العربية المشتركة، والافتخار بالتجارب الناجحة ومحاولة تقليدها، ومنها بوجه خاص تجربة الإمارات في مجال التكنولوجيا، وقد تجسّد هذا النجاح في توصية نصت على «الدعوة إلى عقد قمة عربية لوضع استراتيجية عربية شاملة لإدارة عملية التحوّل إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي».
النجاح الثاني: الوعي بالواقع العربي من خلال النقد، بعيداً عن جلد الذات، أو التهويل من حالة العجز الراهنة، من منطلق أن العرب قادرون على الخروج من أزماتهم ليس فقط من منطلق قوة الهوية والأوطان وحمايتها، وإنما لأن هذا النوع من النقاش بكل حرية يمثل شراكة في صنع القرارات، بما فيها المصيرية، على أن يُعمَّق أكثر «من خلال توفير البيئة الملائمة لتطوير التكنولوجيا وتوطينها عربياً، وخلق المناخ الذي يشجع على تحفيز قيم الإبداع والابتكار والانفتاح على العالم، إضافة إلى تعزيز قيم التسامح، وتوفير فرص العمل المنتج، وفرص التعليم والتدريب المتقدمة»، ويتم ذلك من خلال التوسع في الدراسات المتخصصة حول استشراف المستقبل العربي في عصر الذكاء الاصطناعي، ووضع استراتيجيات استباقية للتعامل مع هذه القضية.
لا شك أن ذلك التوسع المعرفي، سينتهي بنا إلى تأسيس مشروع فكري عربي يمثل الأساس، الذي يمكن من خلاله الانطلاق إلى عصر التكنولوجيا، على أن يكون مقره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، كما جاء في توصيات البيان الختامي، وبواسطة هذا المشروع المنتظر سنتمكن من«تعزيز الاهتمام بتأهيل العنصر البشري العربي وتطوير قدراته ومهاراته النوعية، بما يمكّنه من قيادة وإدارة عملية التنمية على المستويات القيادية والإدارية والمهنية كافة في عصر التكنولوجيا».
النجاح الثالث، وهو أن المناقشات التي دارت خلال الندوة، تمت بكل صراحة وشفافية، هذا أولاً، وثانياً: أن البيان الختامي ومع أنه خلاصة ما توصل إليه الباحثون من عرب وعجم خلال الندوة إلا أنه عرض على المشاركين، وخضع للتعديل والحذف، وذلك أسلوب تنظيمي نحن العرب في أمس الحاجة إليه، عوَّدنا عليه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والتفاعل معه يجعلنا نذهب إلى الإقرار بأن النسخة السابعة لندوة "عاصفة الفكر" خاطبت العرب جميعهم، وأشركت فاعلين آخرين على المستوى الدولي، وانتهجت أسلوباً ديمقراطياً يتصف بالعزم.. فهل تلك الديمقراطية في الطرح والنقاش والجدل سننتهي بنا جميعا لنكون من أهل العزم على مستوى الفكر؟.. نتمنى ذالك، لكن «ما نيل مطالب التغيير بالتمني»، مع اعتذارنا للشاعر أحمد شوقي.