في ظل التزايد المستمر والمطرد في عدد حالات الإصابة بداء السكري، من 108 ملايين عام 1980 إلى 422 مليوناً عام 2016، أو من 4.7 في المئة من البالغين حينها إلى 8.5 في المئة من البالغين حالياً.. أصبح السكري يشكل أحد أهم الأمراض المزمنة التي تواجه أفراد الجنس البشري في العصر الحديث، وأحد أهم أسباب الوفيات بينهم. حيث يحتل السكري حالياً المرتبة الثامنة على قائمة أسباب الوفيات، متسبباً في 1.5 مليون وفاة سنوياً، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وهو الرقم الذي يرتفع إلى 4.9 مليون وفاة، إذا ما أخذنا في الاعتبار الوفيات غير المباشرة الناتجة عن السكري، مثل أمراض القلب والشرايين، والفشل الكلوي، وغيرها.
وأمام هذا الوضع الخطير، تُبذَلُ حالياً جهودٌ حثيثة لعلاج هؤلاء المرضى، وإدارة مرضهم بأفضل شكل، لتجنيبهم قدر الإمكان المضاعفات المرتبطة به، والوفيات الناتجة عنه. وبالترافق مع هذه الجهود، تُبذلُ جهودٌ أيضاً نحو تحقيق الوقاية من الإصابة بالمرض من الأساس، عملاً بمبدأ أن درهماً من الوقاية خير من قنطار العلاج.
وتشكل الحالة المعروفة بـ«ما قبل السكري» (Pre-diabetes) مجالاً مهماً في جهود الوقاية، وهي الحالة التي تُعرّف على أنها مرحلة تمهيدية أو أولية، وإنما تتميز فقط بارتفاع مستوى السكر في الدم فوق معدلاته الطبيعية. ولذا ينظر إلى هذه الحالة على أنها منطقة رمادية، وليست مرضاً في حد ذاتها، وإنما مجرد مرحلة تؤهل المريض للإصابة لاحقاً بالسكري وبأمراض القلب والشرايين. ومثلها مثل السكري الكامل والتام، ترتبط حالة ما قبل السكري بالسمنة، وخصوصاً بالسمنة المركزية أو الكرش، وباضطرابات مستويات الدهون في الدم، خصوصاً ارتفاع مستوى الدهون الثلاثية وانخفاض مستوى الكوليسترول الجيد، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم.
وأمام الأهمية الفائقة لحالة ما قبل السكري، كنذير مبكر للإصابة بالسكري، طورت الكلية الأميركية للغدد الصماء بالتعاون مع الجمعية الأميركية لأطباء الغدد الصماء، عدداً من الإرشادات والتوجيهات المرتبطة بنمط أو أسلوب الحياة.
أولاً: تناول وجبات صحية خالية من الدهون المشبعة ومن الدهون المحولة أو المُهدرجة، وخالية من السكريات، ومن الكربوهيدرات البسيطة.. مع تقليل المتناول من الصوديوم ومن إجمالي السعرات الحرارية بوجه عام.
ثانياً: ممارسة النشاط البدني والتمارين الرياضية، لمدة 30 إلى 45 دقيقة يومياً، خمس مرات في الأسبوع.
ثالثاً: خفض الوزن بنسبة من 5 إلى 10 في المئة، وهو ما سيكون له أثر إيجابي ومتنوع أيضاً على مجمل الصحة العامة للشخص.
وعلى ما يبدو فإن حالة ما قبل السكري، تسبقها هي الأخرى علامات تحذير وإنذار، قبل عشر سنوات أو أكثر من بلوغها، على حسب نتائج دراسة استعرضت الأسبوع الماضي ضمن فعاليات مؤتمر الجمعية الأوربية لدراسة السكري، ونشرت في إحدى الدوريات العلمية المرموقة المتخصصة في أمراض الغدد الصماء (The Journal of Endocrine Society). في هذه الدراسة، والتي تمت تحت إشراف أحد الأطباء اليابانيين في مستشفى «آيزاوا» بمدينة «ماتسوموتو»، تمت متابعة 27 ألف شخص من الأصحاء، تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين، غالبيتهم من الرجال، لمدة 11 عاماً. وخلال هذه الفترة، تم قياس ومتابعة مؤشر كتلة الجسم للمتطوعين، ومتوسط مستوى السكر في دمائهم، بالإضافة إلى حساسية خلايا جسدهم لهرمون الأنسولين.
وما اكتشفه العلماء خلال فترة الدراسة، أن مؤشر كتلة الجسد، ومستوى السكر في الدم، ومدى الحساسية للأنسولين، في الأشخاص الأصحاء ممن هم في متوسط العمر.. كلها تمثل مؤشراً هاماً على مدى احتمالات إصابتهم بحالة ما قبل السكري لاحقاً، ومن بعدها داء السكري نفسه. وهو ما يعني أنه من الممكن التنبؤ باحتمالات الإصابة بالسكري، قبل عشر سنوات، أو حتى عشرين سنة من الإصابة، بالاعتماد على قياسات مؤشر كتلة الجسد، ومستوى السكر في الدم، ومدى الحساسية للأنسولين في الأشخاص الأصحاء الذين لم تظهر عليهم بعد أعراض أو علامات الإصابة بالمرض، أو حتى أعراض وعلامات الإصابة بحالة ما قبل السكري.
وبناءً على أن التدخلات الموجهة للأشخاص الذين لا زالوا في مرحلة ما قبل السكري، والمعتمدة على تغيير نمط وأسلوب الحياة، لا تحقق دائماً النجاح المرجو منها، على صعيد تحقيق الوقاية من الإصابة بالسكري لاحقاً، وانطلاقاً من نتائج الدراسة الأخيرة تلك، ربما يصبح من الضروري التدخل في مراحل مبكرة من الحياة، قبل أن تظهر على الشخص أيٌ من الأعراض أو العلامات، وربما حتى قبل الوصول إلى مرحلة ما قبل السكري ذاتها.