اتساقاً مع نهج دولة الإمارات العربية المتحدة وتطلعها نحو المستقبل المشرق، وكما تعودنا على ربط الأقوال بالأفعال واقتران الخطط بالتنفيذ، تم الأسبوع الماضي الإعلان عن اعتماد الميزانية الاتحادية 2019-2021 بقيمة 180 مليار درهم للأعوام الثلاثة المقبلة. وأبرز المؤشرات التي تضمنتها الميزانية تخصيص 59% منها للإنفاق على التعليم وتنمية المجتمع. بالإضافة إلى أنها موازنة بلا عجز وتعتبر الأكبر في تاريخ الإمارات.
إن تخصيص أكثر من نصف الموازنة الاتحادية لقطاعي التعليم والتنمية الاجتماعية، يؤشر على أن الأعوام الثلاثة القادمة ستكون مكرسة لتدعيم قواعد وأسس التنمية البشرية والعناية الفائقة بالتعليم وتنمية المجتمع. وعندما تولي القيادة قطاع التعليم هذا القدر من الاهتمام والتركيز والبذل بسخاء، ففي ذلك مواصلة لنهج مؤسس الاتحاد الذي وضع اللبنات الأولى للتخطيط والبناء والتنمية، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
لا ننسى أن لدينا تجربة ناجحة في الإمارات تتلخص في البدء من حيث انتهى الآخرون، لأن الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة ليست عيباً. بل العيب في الركود والاستمرار في اجترار التلقين القديم. والإمارات تسعى إلى أن تكون أنموذجاً يحتذى به وأن تكون منارة للعلم والابتكار والتفوق. لذلك تمضي في هذا الاتجاه بطموح مسنود بالعمل والتخطيط الجيد والبذل والعطاء. وفي إعلان الموازنة الاتحادية وتخصيص أكثر من نصفها للتعليم، تأكيداً على أصالة الطموح الإماراتي ومصداقية النهج والإصرار على بلوغ الأهداف السامية.
وفي تجارب الدول الناجحة التي تحتل المراتب المتقدمة في مجالات جودة التعليم ومخرجاته ومهارات الطلاب الخريجين، نطالع دائماً مدى اهتمام تلك الدول بقطاع التعليم وجودته منذ الصفوف الأولى، بما في ذلك تجاوز الأساليب التقليدية في التلقين.
لذا كانت الموازنات الاتحادية خلال السنوات الماضية تلبي حاجات المستقبل وتولي التعليم الاهتمام الدائم. فيما تأتي موازنة السنوات الثلاث القادمة لتشكل دفعة إضافية غير مسبوقة، سيكون أثرها ملموساً في المستقبل القريب وسينعكس بصورة إيجابية خلاقة على التعليم وتنمية المجتمع في ربوع الإمارات.
إن الخطاب الرسمي لقيادة الإمارات الحكيمة في كل المناسبات يراهن بشكل دائم على سواعد أبناء الوطن، وعلى قدرة الأجيال القادمة على مواصلة البناء والتنمية وتحقيق المزيد من المنجزات الاتحادية في كافة القطاعات. وبالتأكيد فإن المراهنة على أجيال المستقبل تدفع إلى الاستثمار في التعليم وتنمية المجتمع لكي يكون الحصاد على قدر الجهد المبذول في رعاية الأجيال الراهنة.
وكلما تأملنا نرى مجتمعات في محيطنا تغرق في البؤس والانهيارات الاقتصادية والفوضى وانتشار ثقافة العنف والإرهاب والتفسيرات العنيفة والشريرة للخطاب الديني. وذلك يدفعنا للإصرار على جعل التعليم في صدارة الاهتمام وفي بؤرة التخطيط للمستقبل. لأن التعليم الجيد قادر على بناء جيل منتج ومساهم في تنمية الوطن، ومحصن من آفة الإرهاب والعنف والكسل.
وبناءً على الوعي بأهمية الاستثمار في التعليم وجدوى التركيز على تحصين الأجيال من الجهل والتخلف، تتضح أهمية اقتطاع ما نسبته 59% من الموازنة الاتحادية للإنفاق على هذا الجانب الحيوي. وبذلك تكون دولة الإمارات قد ضاعفت من وتيرة التخطيط للمستقبل، فالزمن القادم يتطلب المنافسة بالعقول في ظل تزايد منافسة اقتصاد المعرفة واتساع رقعة الاعتماد على الكوادر المؤهلة القادرة على الابتكار والتجديد.
إننا من خلال الاهتمام بالإنفاق السخي على التعليم، نحارب الجهل والتخلف ونحقق خطوة متقدمة على مستوى عالمنا العربي، ونشجع الآخرين على تغيير الاستراتيجيات القديمة التي لم تورث للمجتمع العربي سوى التطرف والجهل بأشكال مختلفة. والعلاج الوحيد الفعال للخلاص من الأوضاع المزرية التي تعيشها الكثير من الدول العربية والإسلامية يتمثل في حماية الأجيال من الجهل والتخلف والتطرف. وبالتعليم تنهض الأمم ويبقى الطموح مشروعاً أمامنا لوضع أنفسنا في المراكز الأولى التي تحتلها الدول المتقدمة.

*كاتب إماراتي