مرت الآن أربع سنوات على التدخل الروسي في أوكرانيا، والـ1.5 مليون أوكراني الذين نزحوا بسبب الحرب يتعاملون مع الوضع الجديد بشكل أفضل مما قد يتوقعه البعض. فمعظم من هم في سن العمل لديهم وظائف. وأغلبيتهم يقولون إنهم يثقون في جيرانهم. تدريجياً، أخذ النزاع الذي لا نهاية له يغيّر مواقف الناس هنا، مؤدياً إلى ما وصفه تقرير لـ«المجلس الأطلسي» في واشنطن بـ«طلاق القرن الجيوسياسي»: انفصال البلدين اللذين كانا على مدى قرون جزءاً من الإمبراطورية نفسها. فالتجارة بين أوكرانيا وروسيا، اللتين كان اقتصاداهما مترابطين منذ القرون الوسطى، تراجعت وعُوضت في أوكرانيا بالتجارة مع أوروبا وبقية العالم. واليوم، باتت الهند، وليس روسيا، أكبر مشتر للمواد الغذائية الأوكرانية. والروابط الدينية بين البلدين أخذت تموت أيضاً؛ حيث انفصلت الكنيسة الأورثودكسية الأوكرانية عن موسكو بشكل رسمي. بل إن حتى العلاقات الشخصية أخذت تتلاشى: فمع القيود المفروضة الآن على السفر في ظل حظر الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، بات احتمال عيش الأوكرانيين وعملهم في روسيا أقل من احتمال ذهابهم إلى بولندا مثلا.
وعلاوة على ذلك، فإن التأثير الثقافي الروسي، الذي كان قوياً جداً ذات يوم، أخذ يختفي أيضاً، جزئياً بسبب القرارات الرسمية. فالمحطات الإذاعية الأوكرانية – مثل تلك الموجودة في كندا أو فرنسا – باتت مطالَبة الآن ببث نسبة معينة من الأغاني الأوكرانية؛ كما تم حظر العديد من المحطات التلفزيونية التابعة للدولة الروسية بدعوى أنها تذيع بروباجندا الحرب. بل إن البعض يريد الذهاب إلى أبعد من ذلك: فعلى نحو مجنون، أعلن البرلمان المحلي في مدينة "لفيف" الأوكرانية الأسبوع الماضي أنه يريد حظر كل الكتب والموسيقى الروسية، وهو إجراء لن يكون أي أحد في هذا البلد ثنائي اللغة إلى حد كبير قادراً على فرض تطبيقه.
هذه التدابير الصغيرة تمثّل تعبيراً عن الإحباط إزاء حرب لا تنتهي. كما أنها عديمة الجدوى لأن ثمة أصلاً تحولاً عميقاً يجري حالياً، إذ بسبب الحرب، وغضبهم ممن يقف وراءها، أخذ الأوكرانيون أنفسهم يتحدثون اللغة الأوكرانية. وبفضل الحرب، بات عدد متزايد من الأوكرانيين يعرّفون أنفسهم كـ«أوروبيين». والمثير للسخرية أن الغزو الروسي، الذي كان الهدف منه في الأصل معاقبة الحكومة الأوكرانية ذات الميول الغربية، يدفع البلاد حالياً في اتجاه مختلف على نحو دراماتيكي. كما أنه يمثل تذكيراً بأن الهدايا الاستراتيجية المفترضة لفلاديمير بوتين محدودةٌ جداً في الحقيقة. فتدخله في أوكرانيا حوّل بلداً جاراً - كان ودوداً ذات يوم - إلى عدو.
*كاتبة وباحثة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»