هل الولايات المتحدة الأميركية على عتبة انتخابات تجديد نصفي للكونجرس غير مسبوقة الأسابيع القليلة القادمة؟ الجواب عن السؤال المتقدم مثير للغاية، سيما وأن هناك خيوطاً عديدة تتداخل، وخطوطاً أكثر تتشابك، وفي المقدمة من تلك المتاهة السياسية يتساءل الأميركيون أين موقع وموضع الرئيس ترامب من تلك الانتخابات، وهل الرجل حجر زاوية أم حجر عثرة في عملية التصويت؟
دائماً وأبداً في الانتخابات الأميركية الرئاسية، أو التجديد النصفي يكون لولاية أوهايو الفضل في إعطاء مؤشرات أولية لتوجهات الأميركيين التصويتية، وفي الأسبوعين الفائتين كانت النتائج الأولية هناك مقلقة للرئيس «الجمهوري»، فقد انتصر المرشح «الجمهوري» لمجلس النواب «تروي بالديرسون»، انتصاراً باهتاً جداً على منافسه «الديمقراطي».
يمكن القطع بداية أن ترامب وأن أدرك بعضا من النجاحات الاقتصادية التي وعد بها خلال العامين المنصرمين، إلا أنه ترك ولا يزال شرخاً كبيراً وواضحاً في النسيج الاجتماعي الأميركي. في هذا السياق قد تظهر على سطح الأحداث أوراق جديدة في القضية محل الإثارة، وهنا يمكن لـ«الديمقراطيين» أن يوجهوا سهامهم لـ«الجمهوريين» في ربوع الولايات المختلفة، الأمر الذي يكفل لهم فوزاً مؤازراً وغالياً يطيح بـ«الجمهوريين»، وفي هذا الكارثة وليس الحادثة.. لماذا؟
ببساطة لأنه سيعزز من احتمالات الإطاحة بالرئيس ترامب حال ثبتت الاتهامات الموجهة إليه، وساعتها لن يكون ظهره متمتعاً بحماية غالبية حزبه «الجمهوري» في الكونجرس، وتبقى عملية إزاحته يسيره.
بعض علامات الاستفهام المقلقة حول الانتخابات القادمة يتصل بإمكانية حدوث اختراقات من دول أجنبية في العملية الانتخابية بالضبط كما جرت الأمور في انتخابات 2016. هنا نرصد تصريحات «جون بولتون» مستشار الأمن القومي الأميركي الذي أشار إلى أن هناك أربع دول تثير قلق واشنطن: روسيا، وإيران وكوريا الشمالية، والصين.
بولتون اعتبر أن الأمر تهديد حقيقي للأمن القومي الأميركي، وهو شأن يمكن أن يكون حقيقياً لمدى بعيد، سيما وأن أميركا ترامب لا تزال تواجه تلك الدول الأربع عبر معادلات اقتصادية وتحديات سياسية ومواجهات عسكرية متباينة، وعليه فإنها وأن لم ترد مواجهة أميركا عسكرياً، إلا أنها تحاول إلحاق أكبر ضرر ببنيتها الديمقراطية، وبإيمان الشعب الأميركي بها.
لهذا السبب حاول وزير الدفاع الأميركي «جمس ماتيس» تخفيف مخاوف الأميركيين بالتأكيد على أن بلاده جاهزة جهوزية تامة للتصدي لأي محاولات تدخلات إلكترونية في الانتخابات، وأن الأجهزة الأميركية المعنية حاضرة لقطع الطريق على تدخل قراصنة يعملون لحساب جهات حكومية من أجل تزوير إرادة الناخبين.
هاجس التدخلات الخارجية أثار نوعاً من البلبلة في الداخل الأميركي مؤخراً، فقد أعلن مسؤول في اللجنة الوطنية للحزب "الديمقراطي" أن محاولة قرصنة بيانات الحزب التي رصدت كانت إنذاراً كاذباً، وإن النشاط غير العادي الذي أثار مخاوف من احتمال وجود اختراق إلكتروني كان مجرد اختبار بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، وإنْ كان ذلك لا يعني أن احتمالات الاختراق قد وصلت إلى صفر في المائة.. كيف ذلك؟
في أوائل أغسطس المنصرم كان وزير الاستخبارات الوطنية الأميركي «دان كوتس» يصرح بأن هناك حملة روسية واسعة الانتشار في محاولة لإضعاف الولايات المتحدة الأميركية وتقسيمها.
ويضيف «كوتس» أن ترامب قد أعطى توجيهاته لوكالات الاستخبارات لجعل مكافحة قرصنة الانتخابات «أولوية قصوى». هل يسعى ترامب لاستعراض سياسي يدفع عنه غائلة الاتهامات بأنه كان من قبل على تنسيق مع الروس بما يخدم فرص «الجمهوريين» سواء من الشيوخ أو النواب عما قليل؟ في كل الأحوال يعلم ترامب أن هناك من يشك في حسن تصرفاته في البيت الأبيض، وهناك أصوات كثيرة منها صاحب مقال «نيويورك تايمز» الأخير، تكاد تعد على ترامب أنفاسه في مقر رئاسته، بل وصل الأمر بالبعض حد إخفاء ملفات بعينها لأهميتها من أمام عينيه. كل هذا يدركه ترامب تمام الإدراك، والذي يشغله في انتخابات التجديد النصفي هو أنها مؤشر للانتخابات الرئاسية في 2020 حيث يأمل ترامب أن يكون الفوز حليفة لولاية رئاسية ثانية، وهو أمر سيتعزز بالفعل حال سيطر «الجمهوريون» بعد أسابيع على الكونجرس، وبالقدر نفسه ستتضاءل فرصه حال جرت المقادير بالعكس، وفاز الديمقراطيون بأغلبية غرفتي الكونجرس.
من سيحسم انتخابات التجديد النصفي القادمة؟
بلاشك سوف يبقى الرئيس ترامب عاملاً مؤثراً، لكن هناك من يتناول فكرة من يطلق عليهم «جيل الألفية»، أي الأجيال التي ولدت في الفترة ما بين عامي 1981 و1996، وكيف أنهم باتوا النسبة الأكثر عدداً مقارنة بالمجموعة السكانية الأكبر سناً، والمعروفة باسم جيل فترة ازدهار المواليد في أميركا، ففي حال قرر جيل الألفية التراحم على صناديق الاقتراع ساعتها ستكون النتيجة بالفعل مختلفة.
الخلاصة... الانتخابات القادمة ليست استفتاء على ترامب فحسب، بل على الثقة في النظام السياسي الأميركي القادم، والنمط الحالي لصنع القرار.
*كاتب مصري