ما أراه أن المشهد في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي هوامشها كان ساخناً حول القضية الفلسطينية، فقد بعث في أطرافها دفء الحياة بعد أن كادت أطرافها تتجمد بفعل فك الكماشة الذي مثله قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ومعاقبة السلطة الفلسطينية على احتجاجها على قراره بقطع المعونات المالية عنها ومحاولة تصفية قضية اللاجئين عن طريق سحب التمويل لوكالة الأونروا. وعلى الجانب الإسرائيلي تمثل فك الكماشة الثاني في قيام الحكومة اليمينية الإسرائيلية بقيادة نتنياهو بإصدار قانون الدولة القومية اليهودية والذي يحصر حق تقرير المصير على أرض فلسطين التي يسميها «أرض إسرائيل» في اليهود فقط ويحرم منه العرب، وهو قانون يميز من ناحية الحقوق السياسية بين العرب واليهود داخل دولة إسرائيل، ويؤسس لرفض حكومة اليمين فكرة حق تقرير المصير الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية.
وهذه وجهة نظر تختلف عما يعتقده بعض المراقبين من أن الفلسطينيين عادوا صفر اليدين من نيويورك، للأسباب التالية:
1- لأني لا أستخف بإعلان الرئيس ترامب تأييده حل الدولتين في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو، وأفهم أن هذا التحول في موقفه لم يأت من فراغ بل من محاولات مؤثرة بذلتها الدول العربية ذات التأثير في واشنطن. فقد ذكر ترامب هو نفسه في مؤتمر صحفي آخر، وقد خص خادم الحرمين بالذكر، أن الملك سلمان قال له بأن حل الدولتين هو ما يجب أن يكون لتشجيع جو السلام في المنطقة. وأضاف ترامب أنه سمع من 12 زعيماً عربياً آخر نفس الرأي. من هنا لا أرى في إعلان ترامب كلاماً خالياً من الهدف والاتجاه، بل أراه اتزاناً جديداً في موقفه نتج عن إدراكه أنه باستماعه فقط إلى آراء اليمين الإسرائيلي وإهمال رأي الدول العربية والفلسطينيين يبدد فرصة السلام الذي يحلم أن يسجله كصفقة وإنجاز في تاريخه.
2- إن تعليق نتنياهو على إعلان ترامب بتأييد حل الدولتين لم يكن رفضاً صريحاً، وهو ما لامه عليه شريكه في الحكومة نفتالي بينت، زعيم حزب «البيت اليهودي» ممثل المستوطنين، قائلا إن قيام دولة فلسطينية في الضفة يمثل كارثة لإسرائيل. أما نتنياهو فقال إنه لا يتوقف عند عنوان حل الدولتين لأن كل طرف عندما يتحدث عن الدولة الفلسطينية فهو يقصد مضموناً غير الذي تقصده الأطراف الأخرى، وراح يطمئن بينيت قائلا: لن تقوم دولة فلسطينية تمثل كارثة. وقد رفض ضمناً الاقتراحات الأوروبية والعربية التي تطرح حلا أمنياً يطمئن إسرائيل وتنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية من غور الأردن لتحل محلها قوات الأمم المتحدة.
الجوهر الذي أراه في كل كلام نتنياهو أنه لم يجرؤ أمام ترامب أو وهو في نيويورك على رفض حل الدولتين أو بالأحرى رفض حل قيام الدولة الفلسطينية كما سبق وفعل عندما وعد ناخبيه في الانتخابات الأخيرة بأنه لن تقوم دولة فلسطينية طالما بقي في الحكم. هذا هو الأهم عندي كمراقب سياسي، وهي نقطة حصاد يمكن البناء عليها وإضافتها إلى الحصاد الفلسطيني في نيويورك. فقد امتنع نتنياهو عن التعبير عن أطماع اليمين في ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وتنفيذ حل الدولة الواحدة القائم على الفصل العنصري. وهذه خطوة حاسمة في تغيير ملامح صفقة القرن، وهي مقدمة مهدت بها الدول العربية المؤثرة لخطوات أخرى ستقود في تقديري لقيام دولة فلسطينية بشروط أقرب للشروط التي يصمم عليها قادتنا العرب المبجلون.