بينما يفر مئات الآلاف من الفنزويليين اليائسين من بلادهم، مشياً على الأقدام في كثير من الأحيان، يواجه جيرانهم الأميركيون اللاتينيون اختباراً حاسماً: ما إن كان يستطيعون الرد بشكل فعال على أزمة تهدد استقرارهم من دون زعامة الولايات المتحدة.
لقد فشلوا في ذلك، حتى الآن. وهم يدركون ذلك، حيث يقول السفير الكولومبي في واشنطن: «إن الجواب هو أننا لا نستطيع»، مضيفاً: «من المؤسف قول ذلك ولكننا لا نستطيع».
ومنذ مجيئه قبل بضعة أسابيع لتمثيل الحكومة الكولومبية الجديدة تحت الرئيس «إيفان دوكي» يحاول «سانتوس» شيئاً شبه مستحيل: حث واشنطن المنشغلة بترامب على التركيز على أخطر أزمة سياسية وإنسانية في الأميركيتين منذ عقود. فتحت القيادة الكارثية لنظامها الاشتراكي، انخفض إنتاج فنزويلا الاقتصادي بالنصف في خمس سنوات. ويقول 60 في المئة من السكان إنهم فقدوا بعض وزنهم بسبب قلة الطعام. وعلاوة على ذلك، فإن نحو مليوني شخص من إجمالي سكان فنزويلا البالغ 31 مليون نسمة غادروا البلاد – والمزيد يواصلون الرحيل بمعدل يفوق 15 ألفاً يومياً.
ويقول سانتوس إن كولومبيا تستوعب 5 آلاف من أولئك اللاجئين اليوميين، علاوة على مليون آخرين يوجدون في البلاد منذ بعض الوقت. وهذا عبء ثقيل ومرهق بالنسبة لبلد فقير نسبياً ما زال يحاول التعافي من عقود من الفوضى العنيفة في مناطقه الريفية.
بين 1890 و1990، لم يكن ثمة شك بشأن ما كان سيحدث عندما كانت أزمات من هذا الحجم تضرب أميركا اللاتينية: الولايات المتحدة تتدخل، سلباً أو إيجاباً: لرعاية انتخابات، أو دعم متمردين، أو دعم انقلاب، أو القيام بغزو، إن اضطرت لذلك. ولكن ورغم بعض الخطابات النارية المتوعدة من حين لآخر، فإن الرئيس دونالد ترامب ليس سوى أحدث رئيس من بين ثلاثة رؤساء متتالين يتحاشى الفوضى التي تعصف بفنزويلا. فحتى الآن، اكتفت إدارته باتخاذ أنصاف تدابير مثل العقوبات ضد بعض كبار زعماء النظام، وأسهمت بأموال في جهود إغاثة اللاجئين.
ولكن الولايات المتحدة لم تعد تسعى إلى قيادة الرد على الأزمة الفنزويلية، تماماً مثلما أنها لا تملك رداً لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وعلى غرار الشرق الأوسط، ترك ذلك فراغاً سعى الحلفاء إلى سده والخصومُ إلى استغلاله. فمؤخراً، منحت الصين نظام نيكولاس مادورو الفاشل قرضاً آخر بقيمة 5 مليارات دولار، وروسيا تساعده على التشبث بمصافيه في الولايات المتحدة. في أميركا اللاتينية، تَشكّل العام الماضي ائتلافٌ يتألف من اثني عشر بلداً، ليست الولايات المتحدة من بينها، في محاولة لرعاية حل للأزمة الفنزويلية. وحاولت «مجموعة ليما» الضغط على نظام مادورو حتى يُجري انتخابات رئاسية نزيهة، وعندما فشل ذلك، أعلنت أنها لن تعترف بالنتيجة. والأسبوع الماضي، أقدم ستة من أعضائها، من بينهم الأرجنتين وكندا والشيلي وكولومبيا، على إحالة فنزويلا على المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن هذه تدابير رمزية إلى حد كبير. ولن تفعل شيئاً كبيراً لإضعاف نظام مادورو، الذي صمد في وجه أشهر من المظاهرات الجماعية عبر قتل مئات المحتجين، وأحبط خمسة محاولات انقلاب عسكري. وأبان جهاز الاستخبارات الذي يديره الكوبيون عن فعالية في استئصال المعارضة الداخلية: إذ يعتقد أن نحو 600 ضابط عسكري يوجدون تحت الاعتقال، وجزء كبير من قيادة المعارضة المدنية سُجن أو دفع للمنفى.
وعليه، فما الذي يمكن فعله؟ سانتوس يعتقد أن الحل سيتطلب وقف الانسحاب الأميركي من الزعامة الإقليمية. وقال في هذا الصدد: «أعتقد أنه ينبغي (على الأميركيين) أن يقودوا المجموعة، والعديد من البلدان الأخرى سترافق الولايات المتحدة في حل لهذا الوضع الكارثي».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»