هل تعتقدون أن عدد الفقراء في العالم ارتفع أم انخفض خلال ربع القرن الماضي؟ فهذا السؤال مقدمة ممتازة للحوار، لأن الجميع يخطئ عملياً في الإجابة عنه. وكثير من الناس تهيمن عناوين الصحف الصادمة والباعثة على الاكتئاب على أفكارهم، يفترضون أن الفقر قد زاد. وبعض الناس يرون أن معدلاته ثابتة، لكن لا أحد يدرك حقيقة أن أكثر من مليار شخص تخطوا عتبة الفقر منذ بداية الألفية فقط.
وهذا التراجع الضخم في عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم هو من بين أكثر التطورات أهمية التي لا تحظى بتقدير في جيلنا، لكن استمراره ليس مضموناً. وفي الحقيقة، يواجه التقدم في محاربة الفقر خطراً محدقاً. وبحسب التوقعات الراهنة، من المتوقع أن يراوح عدد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر المدقع مكانه عند أكثر من 500 مليون شخص. وبحسب أسوأ السيناريوهات، من الممكن أن يبدأ في الارتفاع.
ويبقى السؤال لماذا وصل العالم إلى مفترق الطرق هذا؟ والإجابة هي بسبب تقاطع عاثر الحظ بين اتجاهين ديموغرافيين:
الأول: مع اختفاء الفقر المدقع من أماكن كثيرة، بما في ذلك الصين والهند، وكثير من الدول الأفريقية، أضحى يتركز بشكل كبير في أكثر الأماكن تحدياً في العالم. ويتجه الفقر المدقع سريعاً إلى أن يكون ملمحاً للحياة في دول تبدو فيها فرص الناس للتغلب عليه شبه منعدمة.
ثانياً: ينمو عدد السكان في هذه الدول التي يزيد عددها على 20 دولة، بمعدلات أسرع بكثير من أي مكان آخر في العالم. ففي الولايات المتحدة، يقدر متوسط معدلات الإنجاب بطفلين لكل امرأة، وأما في النيجر التي تعتبر واحدة من أفقر دول العالم، يقدر المتوسط بسبعة أطفال لكل امرأة.
والمواليد ليست موزعة عشوائياً على المناطق الجغرافية، وإنما متمركزة حيثما يتمركز الفقر. واستناداً إلى الاتجاهات الراهنة، ستولد نسبة كبيرة من المواليد في أماكن يتعين فيها على البالغين تكريس معظم مواردهم من أجل النجاة بأنفسهم، تاركين قليلاً جداً من الموارد لاستثمارها في أسرهم ومجتمعاتهم ودولهم.
وهذه الظاهرة المزدوجة من الفقر المستمر في الأماكن سريعة النمو السكاني تكشف السبب في أنه بحلول عام 2050، سيكون أكثر من 40 في المئة من الأشخاص الأكثر فقراً على ظهر الأرض من المتوقع أن يعيشون في دولتين اثنتين فقط، هما جمهورية الكونجو الديمقراطية ونيجيريا.
غير أن الأمر الجيد بهذه التوقعات هو أنها ترتكز على بقاء الأمور على ما هي عليه، لكننا لا نؤمن ببقاء الأمور على ما هي عليه. ونحن نؤمن بأن الناس، إذا حصلوا على الأدوات وأتيحت لهم الفرصة، يمكنهم تحدي الصعاب، خصوصاً الشباب، لأنهم مصممون على عيش حياة أفضل من تلك التي عاشها آباؤهم، ومتلهفون على اتباع الأفكار الجديدة والتكنولوجيا الحديثة أينما كانت.
لكن أي شيء ينبغي القيام به لمساعدة أولئك الشباب على تغيير مستقبل دولهم؟ يمكننا أن نتعلم من الأمور الناجحة في الماضي، لاسيما الاستثمار في الناس وخصوصاً صحتهم وتعليمهم وفي الابتكار.
وبشكل عام، يفضل القادة إنفاق المال على أمور مثل الطرق والموانئ والجسور، لأن تأثيرها مباشر. وعندما يعززون قطاعات مثل الصحة والتعليم، تتأخر النتائج، من وجهة النظر الاقتصادية لعقود لاحقة. وتأثير الاستثمارات في العلوم والتكنولوجيا ربما يتأخر أكثر.
غير أن هذه الاستثمارات تؤتي أكلها، ففي عام 1990، تلقى شاب صيني عادي تعليماً حتى المرحلة الإعدادية، والآن بفضل الاستثمارات الحكومية في قطاع التعليم، نجح هذا الشاب في الحصول على تعليم جامعي. وفي 1990، كان طفلاً من كل ثلاثة أطفال صينيين يعانون سوء تغذية مزمن. والآن، بفضل زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسن قطاع الرعاية الصحية، أصبح العدد أقل من طفل من بين كل عشرة أطفال.
وفي الهند، يحقق الابتكار تغييراً جديراً بالاهتمام. ففي ستينيات القرن الماضي توقع كتاب «قنبلة السكان» الأفضل مبيعاً أن «المجاعة وثورات الجوع» ستكتسح أرجاء الدولة، لكن ما اكتسح الهند في الحقيقة هو تقنيات وتكنولوجيا زراعية جديدة، والآن يمكن للمزارعين الهنود الحصول على أربعة أضعاف كمية القمح من مساحة الأرض ذاتها التي كانت لديهم قبل نصف قرن مضى.
والتحدي الآن أمام أشد الدول فقراً وأسرعها نمواً في عدد السكان هو عمل الاستثمارات ذاتها، وإذا لم تتمكن، فإن مستقبلها سيشبه ماضيها الحديث، وسيصبح العالم أشد فقراً، لكن إذا تمكنت، فمن الممكن أن يختفي الفقر من على وجه الأرض.
وبرغم أن التوقعات التي نتحدث عنها في المستقبل البعيد، إلا أن وقت التحرك هو الآن. ومن الضروري على وجه الخصوص الاستثمار في الصحة والتعليم في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بسبب ارتفاع معدلات الشباب في المنطقة. والأطفال الذين يمكنهم تحويل مسار القارة قد ولدوا بالفعل، أو على وشك القدوم إلى الدنيا. وسيكون عليهم قيادة الابتكار الذي تحتاجه مجتمعاتهم، لتحويل المزارع إلى أعمال تجارية مربحة، ولتوفير حسابات بنكية لكل بالغ من خلال هواتفهم المتنقلة، وللقضاء على الملاريا، وعلى الأمراض الأخرى المهملة.
بيل وميليندا جيتس: مؤسسا مؤسسة «بيل وميلندا جيتس» الخيرية المتخصصة في مكافحة الفقر على الصعيد العالمي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»