يُعرّف الاعتماد المتبادل بأنه تشبيك وتكثيف العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وأن يقدم كل طرف ما يمكن أن يُسهم في تحسين أوضاع الطرف الآخر وربط وتنسيق السياسات. ومن نافلة القول، إن المملكة العربية السعودية، خلال 88 عاماً تخطت الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة وتجلت بشكلها الحالي دولة حديثة واعدة. نسجل هنا، بعض تطبيقات هذا المصطلح (الاعتماد المتبادل) بين السعودية والإمارات، فعلى المستوى الدفاعي، تعد المملكة العربية السعودية لمساحتها الشاسعة وعدد سكانها وتاريخها، دولة «مستوعبة وقادرة» بالمفهوم العسكري، مستوعبة للأحداث الخارجية، ولها خاصية استيعاب الهزات وامتصاص الصدمات الداخلية، بصبر وجلد، بفعل المكان والسكان. وهذا المفهوم تمت تجربته في مواجهة العمليات الإرهابية التي تعرضت لها المملكة في الداخل. وكانت التجربة الكبيرة هي الحرب العراقية- الإيرانية، خلال الفترة من 1980 إلى 1988 وأكبر منها وأقسى هو غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990. وما نعايشه حالياً معركة «العزم والأمل» ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية ضد ميليشيات الإرهاب «الحوثي» التابعة لإيران. وتبعات ذلك الجانب المهم من المساعدات الإنسانية بجميع أشكالها، بمشاركة دولة الإمارات، وهي مساعدات تشمل جميع أرجاء اليمن دون تمييز. ودولة الإمارات، بخبرتها العسكرية وانضباطها العسكري وتقنية ومهارة قواتها الجوية، تجعلها قوة ضاربة، بجانب مهامها الحيوية البرية والبحرية، ضمن هذا السياق المتوافق في رؤية الأحداث والمخاطر المحيطة، تتكامل الدولتان لتشكلا فريقاً واحداً، ومحورياً في المهام العسكرية، لصد العدوان ووقف تمدده. الاعتماد المتبادل، هذا يشكل ركناً أساسياً من أركان الأمن الجماعي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمن القومي العربي. هذا ما نراه بكل وضوح متحققاً على أرض المعركة في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، لصد عدوان ميليشيات «الحوثي» التابعة لإيران، إضافة لتعاونهما الجاد في مكافحة الإرهاب، عملاً وفكراً.

التنسيق السياسي بين الإمارات والسعودية استمد قوته من عمق جذور العلاقات التاريخية، علاقات صمدت واشتد عودها، وتجاوزت العقبات، وترعرعت في ظل قيادة راشدة وحكيمة في كلا البلدين. وصاغ المؤسسون الأوائل الفرضيات الأولى للعلاقات الثنائية التي ننعم بها اليوم بمعطياتها الإيجابية، فيما تواصل القيادات الحالية تطويرها ومأسستها بشكل حديث، معززة بوشائج القربى الممتدة في سياقات أُسَرية وقبلية، مصفوفة بروافد القيم والموروث المتداخل والمشترك الذي يرسخ التواصل والاستمرار، وهذه الكوامن غير المرئية، لا تظهر إلا في وقت الأزمات.

هذا ما عبر عنه الواقع في تأسيس مجلس التعاون عام ،1981 وما واجهه من تحديات جسام، وآخرها عاصفة الحزم والأمل، وتضحيات البلدين، حيث اختلطت دماء شهداء كل من السعودية والإمارات على أرض اليمن، والدفاع عن الشرعية وإعادة الأمل للشعب اليمني، من أجل غدٍ واعد يحفظ لليمنيين كرامتهم، بعد التحرر من ربقة احتلال ميليشيات «الحوثي» التابعة لإيران.

وتبرز أهمية هذه العلاقة، بتأسيس مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي، والإعلان عن رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين، اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً، وستتفاعل علاقات البلدين، في سياق «الاعتماد المتبادل»، وتتلاقى إرادة قيادتيهما، بروح التجديد من سمو الأمير محمد بن سلمان، مسنودة من خادم الحرمين الشريفين، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، مسنودة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، لتشكل مشروعاً قومياً واعداً يخدم دول الخليج العربي والعرب عموماً.

* سفير سابق