السجال في الحرم الجامعي في الولايات المتحدة عن حرية التعبير والرقابة يتطور حتى يصل إلى مأزق مشحون بالغضب يقف فيه «عدم التسامح» قبالة «الصواب السياسي» مما لا يحسم أي شيء. لكن نشأ هناك اتفاق غير حميد في الآراء على قبول قمع صور التعبير المدافعة عن المواقف الاحتجاجية التي تستهدف إسرائيل. فالسلطات في الحرم الجامعي وأيضاً من حكومات الولايات بل ومن الكونجرس استهدفت بشكل منهجي حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» على إسرائيل التي تحتج على احتلال الدولة العبرية للضفة الغربية والسيطرة على غزة. كما أظهرت إدارة ترامب ازدواجاً واضحاً في المعايير في هذه القضية.
فقد أعلن وزير العدل الأميركي جيف سيشنز الأسبوع الماضي أن «حرية التعبير والتفكير تعرضت لهجوم في الحرم الجامعي»، وتعهد أن تحمي وزارة العدل هذا «الحق القيم» من «الهجوم أو التآكل». لكن في الوقت نفسه تقريباً، أعاد «كينيث ماركوس» الناشط المؤيد لإسرائيل منذ فترة طويلة والرئيس الجديد لإدارة الحقوق المدنية في وزارة التعليم الأميركية فتح تحقيق قديم في شكاوى طلاب يهود من التمييز في جامعة رتجرز في نيوجيرسي. وأعلن ماركوس أنه أعاد فتح القضية مستنداً في جانب من ذلك على تبني إدارة ترامب تعريفاً لمعاداة السامية يتضمن «إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير أو معاملة الإسرائيليين بمعايير مزدوجة».
وتبنى 42 مجلساً تشريعياً في الولايات مشروعات قوانين تعاقب الأنشطة التي تؤيد مقاطعة إسرائيل. والأسوأ أن الكونجرس يبحث مشروعي قانون «الوعي بمعاداة السامية» و«مناهضة مقاطعة إسرائيل» مما قد يوسع مساعي قمع، بل وتجريم، انتقاد إسرائيل على مستوى البلاد. ويستهدف «قانون مناهضة المقاطعة» تجريم المشاركة في، بل والدفاع، عن المقاطعة المناهضة لإسرائيل. وهذه القوانين تخلط فحسب بين انتقادات السياسات الإسرائيلية بين التمييز ضد اليهود الأميركيين وتخلط أيضاً بين المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبين إسرائيل نفسها. ويطبق «قانون مناهضة المقاطعة» على إسرائيل وعلى «الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل» على السواء ويفرض عقوبات مالية على من يشاركون في مقاطعة إسرائيل أو مستوطناتها في الأراضي المحتلة. ومثل هذه الإجراءات سواء كانت على مستوى الولايات المفردة أو البلاد برمتها فإنها غير دستورية بشكل واضح ولا يمكن تطبيقها في نهاية المطاف؛ لكنها تساهم في تخويف المنتقدين لإسرائيل.
لكن ثمة أمر اكتسب زخماً بالفعل وخاصة في أوروبا هو مساعي التمييز بين إسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية والتأييد في الوقت نفسه للتواصل مع إسرائيل وعدم التواصل مع المستوطنات. فالنشاط الاستيطاني يحظره القانون الدولي باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان ضد شعب ينتزع جيش محتل أراضيه. والحق في عدم التعرض للاحتلال محوري في نظام حقوق الإنسان الذي أقيم منذ الحرب العالمية الثانية.
وهذه القوانين على مستوى الولايات والبلاد لا تستهدف قضية المقاطعة بصفة عامة ضد إسرائيل لأنها قضية ثانوية وغير فاعلة، بينما جهود مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية ومنتجاتها على الجانب الآخر تتنامى ولها قدرة محتملة على التأثير. وكل من إسرائيل وأنصارها الذين يشوهون كل مقاطعة وأيضاً الأنصار المتشددون من حركة المقاطعة يصورون الأمر على أن المقاطعة حملة واحدة. لكن حتى إذا كانت الدعوة هي إلى مقاطعة كاملة لكل الأشياء القادمة من إسرائيل، فمن غير الملائم ومن غير الدستوري لحكومات الولايات أو الحكومة الاتحادية أن تحاول قمع مثل هذا النشاط. ويثير قلقي أن يستخدم الحرم الجامعي والسلطات الاتحادية وعلى مستوى الولاية السلطة لمعاقبة المدافعين عن المقاطعة باعتباره خطاب كراهية وأن يرهبوا أثناء هذه العملية من يريدون توجيه انتقادات أخرى كثيرة ومشروعة لإسرائيل. والمهتمون حقا بحرية التعبير في الحرم الجامعي وفي أماكن أخرى يجب عليهم الاستعداد للدفاع حتى عن أفكار لا تروقهم. ولا يمكن أن يكون هناك استثناء في حرية التعبير للانتقادات القوية لإسرائيل أو حتى لمقاطعتها.
حسين إبيش
باحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»