إذا كان غياب عدو خارجي منذ نهاية الحرب الباردة قد جعل أميركا ضعيفة، مثلما يقول بعضهم، فهل سيمنح صعودُ الصين أميركا حيويةً ونشاطاً وشعوراً بوضوح الهدف؟ ربما لا. فهناك عدد من الاختلافات بين الاتحاد السوفييتي السابق والصين المعاصرة، والتي تساعد في تفسير لماذا كان الاتحاد السوفييتي يبدو أكثر تهديداً بكثير. ذلك أن السوفييت كانت لديهم سلسلة من الزعماء الذين كانوا يصلحون لتقمص أدوار الأشرار في الأفلام السينمائية. فستالين، مثلاً، قتل الملايين وكان الشر يتطاير منه. وخروتشوف كان أكثر اعتدالاً من حيث السياسة الداخلية، ولكنه حين ذهب إلى نيويورك أخذ حذاءه وضرب على الطاولة صائحاً: «إننا سندفنكم!». كما قام بنقل الأسلحة النووية السوفييتية إلى كوبا. وبريجنيف كان يبدو شخصاً مؤذياً وخشناً.
وبالمقابل، يبدو الرئيس الصيني شي جينبينغ ويتصرف على نحو لا يختلف عن أي زعيم دولي آخر، ويبدي نوعاً من اللطف والوداعة. أما بخصوص الزعماء الصينيين السابقين، بعد ماو، فإن معظمهم لم يكن معروفاً في الولايات المتحدة تماماً. وفي ما يتعلق بالجيش، كان السوفييت يكثرون من لغة التبجح والوعيد والتهديد من خلال مواقف عدائية. فكانوا لا يكتفون بتنظيم استعراضات عسكرية طويلة ممتلئة بالمعدات العسكرية، وإنما يقومون أيضاً بدعم الماركسيين، ومجموعات حرب العصابات، والإرهابيين حول العالم. ففي الثمانينيات، على سبيل المثال، ساعد الاتحاد السوفييتي القوات الشيوعية المتمردة في السلفادور ونيكاراغوا، في حربين أهليتين في الأميركيتين. وبالمقابل، وسّع الصينيون نفوذهم عبر التجارة أو عبر إنشاء البنى التحتية في البلدان الفقيرة، مثل أفريقيا. وهم يفضلون العلاقات المالية الخاصة، وغير الشفافة أحياناً، مع المستبدين المحليين، دفعاً للشبهات أو مشاعر العداء.
وصحيح أن الصينيين قاموا بعسكرة بحر جنوب الصين، حيث أنشأوا جزراً اصطناعية وطالبوا بأخرى، ثم قاموا بنشر جنود هناك. ولكن الصين تقوم بكل ذلك بحذر، حيث تخطو خطوة صغيرة واحدة تلو الأخرى. وهكذا، فإذا كان السوفييت قد سعوا إلى تكثيف الدعاية لجهودهم المغامراتية، فإن الصينيين سعوا إلى تقليلها.
ولئن كان السوفييت يحبون ادعاء أن اقتصادهم الخاضع للتخطيط المركزي كان يتفوق على اقتصاد أميركا الرأسمالي، فإن معظم الأميركيين لم يصدّقوهم أبداً. وبالمقابل، كانت لدى الصين سنوات كثيرة حققت فيها 10 في المئة كنسبة نمو منذ 1979، نمو ما زال متواصلاً حتى الآن، وإن بمعدلات أقل، حيث تنمو البلاد بنحو 7 في المئة سنوياً على ما يعتقد. وهذا يمثّل مصدر قلق للعديد من الأميركيين، ويمكن القول إنه أدى إلى حرب الرئيس دونالد ترامب التجارية ضد الصين. ولكنه ليس الخوف نفسه الذي يأتي من تهديد عدوان عسكري. ذلك أنه إذا كان النمو الاقتصادي الصيني قد أفضى إلى خسارة بعض وظائف التصنيع في الولايات المتحدة، فإن العمالة الصينية تساعد بالمقابل على صناعة هواتف آيفون والكثير من السلع الرخيصة التي نجدها في متاجر وولمارت.
وعلاوة على ذلك، فإن الهجرة مهمة أيضاً ربما. فخلال أوج الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات، لم يكن لمعظم الأميركيين اتصال بالروس، على الأقل ليس المواطنون المولودون في الاتحاد السوفييتي (اليهود الروس هاجروا إلى الولايات المتحدة، ولكن لم يكن يُنظر إليهم على أنهم يمثلون الاتحاد السوفييتي). ذلك أن فكرة مواطن روسي كانت مخيفة لهم. وبالمقابل، فإن الصينيين والأميركيين الصينيين مألوفون جداً في الولايات المتحدة وقد اندمجوا في الحياة الأميركية بسهولة كبيرة نسبياً.
ومن جهة أخرى، فإن فلسفتي الماركسية واللينينية السوفييتية كانتا دوليتين من حيث طبيعتهما – أي أن الشيوعية ينبغي أن تصدّر إلى كل مكان، وإن كانت الاستراتيجيات اللازمة للقيام بذلك قد تختلف. فقد كان يفترض أن تمتد الثورة إلى الغرب. وبالمقابل، فإن الصين قومية بشكل صريح، وتروّج لفكرة أن يكون المرء من القومية الصينية. ولكن الأميركيين لا يخشون أن ترغب الصين في أن تجعلهم صينيين قدر خشيتهم بشأن خطط السوفييت لتصدير الثورة وتعبئة البروليتاريا الأميركية ضد النظام القائم. ذلك أن الحلم الجيوسياسي الصيني ليس هو الثورة أو الغزو، وإنما هو بكل بساطة أميركا أقل قوة. وعلى كل حال، فإن الصين ليس لديها تاريخ طويل بخصوص محاولة استعراض القوة العسكرية خارج آسيا.
وقد يقول قائل إن الاستراتيجيات الصينية ستُثبت أنها أكثر تأثيراً وفعالية. ولكن في ما يتعلق بإثارة حالة قلق وخوف في المواطن الأميركي العادي، يمكن القول بكل ثقة إن السوفييت يظلون على رأس القائمة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»