بينما كان الرئيس دونالد ترامب يعلن عن حزمة جديدة من الرسوم الجمركية ضد الصين يوم الاثنين الماضي، وجدتُني أفكر في كتاب بوب وودورد الأخير «الخوف»، الذي يصف بإسهاب مؤلم كيف حاول المستشار الاقتصادي السابق «غاري كون»، عبثاً، تعليم الرئيس أبجديات الاقتصاد العالمي. يقول وودورد إن «كون» كان «مقتنعاً بأن العجز التجاري يمكن أن يكون شيئاً جيداً، على اعتبار أنه يسمح للأميركيين بشراء سلع أرخص». وقال كون لترامب ذات يوم إن المرة الوحيدة التي انخفض فيها العجز التجاري كانت في أوقات الأزمات الاقتصادية، عندما لم يكن الأميركيون يستطيعون شراء السلع المستوردة: «إذا أردت أن ينخفض عجزنا التجاري، فإننا نستطيع تحقيق ذلك.. وما علينا سوى تفجير الاقتصاد».
غير أن كل ذلك لم يُجدِ نفعاً، حيث يقول وودورد في كتابه إن ترامب لم يقتنع بذلك. وعندما سأله «كون» لماذا يعتقد أن العجز التجاري سيئ، قال ترامب: «إنني أعتقد ذلك وحسب. لدي هذه الآراء منذ 30 عاماً».
ولا غرو في أن مساعديه ينظرون إليه باعتبار أنه لا يفهم الشيء البديهي الأول حول الاقتصاد الدولي، وليس مهتماً بالتعلم. لكنه لا يتردد في اتخاذ قرارات كبيرة وخطيرة بينما يرتكب الأخطاء. فيوم الاثنين، قال ترامب: «إن الصين تدفع لنا الآن مليارات الدولارات من الرسوم، والمؤمل أن نستطيع التوصل لشيء ما». غير أن تلك ليست هي الطريقة التي تتم بها الأشياء. فمثلما لفت إلى ذلك موقع «بوليتيكو»، فإن «مستوردي المنتجات يدفعون الرسوم ويتحملون الكلفة الإضافية أو ينقلونها إلى المستهلكين». بعبارة أخرى، إن الرسوم هي عبارة عن ضرائب، وترامب قام للتو بزيادة الضرائب على المستهلكين الأميركيين، دون أن يدرك ذلك.
ومن الخطأ أيضاً قول ترامب إن رسوم الفولاذ، التي فُرضت في وقت سابق من العام، تمثل نجاحاً! إذ وفقاً لأرقام الحكومة نفسها، فإن التشغيل في صناعات المعادن الأولية ارتفع بنحو ألف وظيفة منذ فبراير الماضي. لكن زيادة 10% في أسعار الفولاذ أخذت تؤثّر في الصناعات المستهلكة للفولاذ، والتي توظّف 6.5 مليون أميركي، مقارنة مع 140 ألفاً فقط يعملون في مصانع إنتاج الفولاذ.
على أن المذبحة بدأت للتو فقط. فترامب ينفق 12 مليار دولار لإنقاذ المزارعين الذين تضرروا من الرسوم الانتقامية، غير أنه لا توجد أي برامج مساعدة لصناعات أخرى. ومثلما يشير إلى ذلك موقع «بزنس إنسايدر»، فإن «شركة ميد- كونتينانت نايل»، أكبر مصنِّع للمسامير في الولايات المتحدة، قامت بتسريح 130 عاملاً. ومن جانبها، تخطط شركة «إيليمانت إلكترونيكس»، المصنِّعة لأجهزة التلفزيون، لتسريح 127 عاملاً، بينما قامت شركة «برينلي-هاردي»، المصنِّعة لمعدات الاعتناء بالعشب، بتسريح 75 عاملاً. ووفق إحدى الدراسات، فإن الرسوم التي فرضها ترامب على الفولاذ والألومينيوم وحدها يمكن أن تكلّف 400 ألف وظيفة.
والواقع أن هذا النوع من الأرقام كان سيدفع أي رئيس ذكي لإعادة النظر في سياساته. لكن يبدو أننا انخرطنا في حروب تجارية متزامنة مع كل شركائنا التجاريين الرئيسيين تحت قيادة قائد لا يعرف ما يفعل، بالمعنى الحرفي للكلمة. وهنا أتذكر كلمات الجنرال ديفيد بترايوس أثناء غزو العراق: «أخبرني كيف سينتهي هذا». وتخميني هو: على نحو سيئ.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»