بعد أيام قليلة من الإعلان عن وصول التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات إلى مستوى تاريخي غير مسبوق بقيمة 3.5 تريليون درهم، قدمت دولة الإمارات نفسها للعالم مجدداً باعتبارها رائداً كفؤاً في دبلوماسية التجارة العالمية وداعماً موثوقاً يمكن الاعتماد عليه في توجيه دفة التجارة العالمية لخدمة النمو والاستدامة للاقتصاد العالمي.
فعلى مدار أربعة أيام حافلة في الفترة 26 إلى 29 فبراير 2024، وفي ظروف دولية بالغة الدقة، نجحت دولة الإمارات في عاصمتها أبوظبي في استضافة نسخة استثنائية وشديدة الأهمية للمؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، والذي شهد افتتاحه سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.
وبينما وضعت حكومة دولة الإمارات كل إمكاناتها التنظيمية في سبيل إخراج المؤتمر بصورة تليق بالمكانة الدولة عالمياً، فإن دبلوماسيتها التجارية قد لعبت هي الأخرى دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين شركاء التجارة إقليمياً، وعززت فرص نجاح المفاوضات التي جرت على قدم وساق داخل أروقة المؤتمر بين كبار اللاعبين التجاريين على مستوى العالم.
وبجهود دؤوبة لمعالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية، بصفته رئيس المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، تجلت قدرات الدبلوماسية التجارية لدولة الإمارات وظهرت على ثلاثة محاور ذات صلة بالقضايا الملحة للتجارة الدولية.
وقد تمثل المحور الأول في دعم دولة الإمارات الكامل لجهود منظمة التجارة العالمية للوصول لتجارة بقواعد حرة وعادلة ومتوازنة ومنظمة، ودعمها لتطوير آليات دولية لتسوية المنازعات التجارية تكون ذات مصداقية عالية، وتحظى بقبول دولي واسع.
في حين تمثل المحور الثاني فيما أعلنه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، عن دعم تمويلي إماراتي لمنظمة التجارة العالمية بقيمة 10 ملايين دولار، وفيما أطلقته أجهزة الدولة من مبادرات مبتكرة تعزز الاستدامة التجارية محلياً ودولياً، وتسخر أدوات التكنولوجيا والرقمنة والذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في تنظيمات التجارة العالمية.
أما المحور الثالث، فقد ظهر في دعم الدولة القوي لجهود توسيع عضوية منظمة التجارة العالمية بقبول عضوية دولتي جزر القمر وتيمور الشرقية، وفي الوقوف إلى جانب الدول الأقل نمواً بمساندتها في مطالباتها المستمرة لتطبيق شروط تجارية تفضيلية داعمة للنمو.
وأمام هذه القوة للدبلوماسية التجارية لدولة الإمارات، تتابعت الإشادات الدولية بدور الإمارات، ليس فقط في حرصها الشديد على إنجاح المؤتمر، ولكن في شراكتها التجارية الموثوقة، وفي دورها في تنمية التجارة الخضراء وتوسيع رقعة التجارة الإلكترونية عالمياً أيضاً، ناهيك عن دورها في دعم وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة للانفتاح الآمن على شبكات التجارة العالمية.
وإذا كان النجاح المشهود للدبلوماسية التجارية لدولة الإمارات قد فتح آفاقاً واسعة أمام نظام تجارة عالمي أكثر استقراراً ومرونة وموثوقية ليستوعب 75% من تجارة العالم، فإن الوصول بمعدل نمو التجارة السلعية عالمياً لنسبة أعلى من 3.3% المتوقعة خلال عام 2024، سيتطلب تضافر الجهود الدولية لتجاوز التحديات اللوجستية والجيوسياسية التي تعترض طرق التجارة، كما يحتاج في الوقت نفسه تفعيل اتفاقيات التجارة الثنائية ومتعددة الأطراف في تنمية التجارة، ويستدعي كذلك اندماج الدول النامية في منظومة التجارة العالمية لضمان الوصول للأسواق.
ولأن دولة الإمارات تدرك هذه الحقائق التجارية جيداً، فإن تحركات دبلوماسيتها التجارية المستقبلية ستظل منفتحة على الفاعلين الدوليين كافة في بيئة التجارة والاستثمار العالمية، وستستمر داعمة للتوافق التجاري العالمي تحت مظلة منظمة التجارة العالمية.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية