قبل ثلاثة أسابيع انتخبت الأرجنتين خافيير ميلي رئيساً جديداً لها. وخاض ميلي حملته الانتخابية ببرنامج تحرري يدعو أبرز مقترح فيه إلى إلغاء عملة الأرجنتين «البيزو» واستبدالها بالدولار الأميركي. ومن غير الواضح في هذه المرحلة ما إن كان ميلي سيفي بهذا الوعد، أو حجم القطيعة التي سيقوم بها مع السياسات السابقة بشكل عام؛ كما أنني لا أدّعي فهم ما يحدث حاليا في الحياة السياسية الأرجنتينية. غير أن اعتقاد العديد من الناس أن الدولرة من شأنها أن تحل مشاكل الأرجنتين ليس سوى أحدث مثالٍ على القوة المستمرة للتفكير النقدي السحري.

والحق أن المال- والسياسة النقدية - قد يبدو أحياناً أشبه بالسحر. فحتى قبل ظهور تكنولوجيا المعلومات، كان من المدهش أن يستطيع الناس إقناع آخرين بمنحهم سلعاً وخدمات مقابل قطع من الورق الأخضر ليست لها أي قيمة في حد ذاتها. واليوم يمكننا القيام بمعاملات تجارية بواسطة الهواتف الذكية وبطاقات الخصم غير التلامسية التي لا تقدّم سوى تمثيلات رقمية لورق أخضر لا قيمة له. ليس مفاجئا أن يتخيل الناس في كثير من الأحيان أن تبني عملة جديدة وتلاوة التعويذة الصحيحة يمكن أن يحل المشاكل الاقتصادية لدولة من الدول.

ولكن من المفاجئ أن يقتنع الأرجنتينيون بهذا النوع من التفكير، ولا سيما أنهم عاشوا تجربة مماثلة من قبل. صحيح أن الأرجنتين لم تتحول إلى الدولار بشكل كامل؛ ولكنها في 1991 حاولت ترويض التضخم بقانون كان من المفترض أن يحدد سعر صرف دائم هو بيزو واحد مقابل دولار واحد، وهو التزامٌ دعمه «مجلس العملة» الذي قيل إنه يحتفظ بدولار من الاحتياطيات مقابل كل بيزو متداول.

والحقيقة أن البيزو لم يكن مدعوما بالدولار بنسبة 100 في المئة، لكن هذا الدعم غير الكامل لم يكن السبب في انهيار النظام. ولكن المشكلة هي أنه نظرا لأنها استبعدت إمكانية استخدام السياسة النقدية لدعم الاقتصاد عند الضرورة، وجدت الأرجنتين نفسها عالقةً في ركود مرهق وطويل الأمد. كما أن «مجلس العملة» لم يحل مشكلة البلاد المستمرة والمتمثلة في عجز الميزانية. ثم كانت هناك مشكلة أخرى، ألا وهي: لماذا ربط البيزو بالدولار؟ ذلك أن الأرجنتين بعيدة جداً عن الولايات المتحدة.

كما أنها تتاجر مع الصين والاتحاد الأوروبي أكثر مما تتاجر مع أميركا. غير أنه عندما ارتفع الدولار وهبط، لأسباب لم تكن لها علاقة بالأرجنتين، اتبعت العملة الأرجنتينية تقلباته. وقد عرفت قيمة الدولار ارتفاعا كبيرا في أواخر التسعينيات، ربما بسبب التفاؤل الذي أثارته الطفرة التكنولوجية في تلك الفترة. وبعد أن ربطت نفسها بالدولار، رأت الأرجنتين قيمة عملتها ترتفع في الأسواق العالمية، مما جعل صادراتها غير تنافسية على نحو متزايد وفاقم ركودها. وبالطبع كان التخلي عن البيزو بشكل كامل لصالح الدولار سيطرح المشكلة نفسها: ربطُ الأرجنتين سياستها الاقتصادية بالسياسة الاقتصادية لدولة لديها مشاكل مختلفة تماما وليست حتى من شركائها التجاريين الرئيسيين. وعلى كل حال، انهار «مجلس العملة» الأرجنتيني في بداية 2002.

وفي الأخير، أعلنت الحكومة أن العديد من الديون المقوّمة بالدولار سيتم الإعلان عنها بعد وقوعها على أنها بالبيزو، وهو الأمر الذي كان ضرورياً إلى حد ما من أجل تجنب موجة كارثية من حالات الإفلاس. ثم ازدهر الاقتصاد الأرجنتيني لبعض الوقت، بعد أن تحرر من ربط العملة بالدولار. ولكن المشكلة القديمة المتمثلة في عجز الميزانية المستعصي لم تختفِ للأسف، وعاد التضخم للارتفاع بقوة في الأخير. 

بول كروجمان *

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»