عملت الهند وأستراليا مؤخراً على تعميق علاقاتهما في مجالات متنوعة. وتشهد العلاقات بين البلدين حالياً زخماً متزايداً، إذ باتت تغطي مجموعة كاملة من المجالات التي تشمل تعميق التعاون الدفاعي والعسكري.

كل جوانب هذه العلاقات الثنائية إلى جانب القضايا العالمية الراهنة كانت موضوع نقاش خلال اجتماع عُقد هذا الأسبوع في نيودلهي وجمع وزيري الدفاع والخارجية الهنديين مع نظيريهما الأستراليين ضمن الحوار الثاني بين الهند وأستراليا 2+2. المجتمعون ناقشوا مجموعة كاملة من العلاقات بما في ذلك سبل الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى أعلى.

وعبّرت كل من نيودلهي وكانبيرا عن رضاهما عن الزخم الذي تشهده العلاقات الثنائية، مشيرتين إلى أن هذه الأخيرة ما فتئت تزداد متانة بفضل التقارب المتزايد بخصوص عدد من القضايا. والجدير بالذكر هنا أن الهند وأستراليا تشاركان أيضا في «المنتدى الأمني الرباعي»، وهو تجمع يضم الولايات المتحدة واليابان أيضا. وعلى هذه الخلفية تباحث الجانبان أيضا التعاون في إطار «الرباعي»، الذي اكتسب أهمية متزايدة وسط المشاكل الكثيرة التي يواجهها العالم اليوم.

ولا شك أن الرباعي أحرز تقدماً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية فيما يتعلق بمجموعة من القضايا التي يتعاون بشأنها الجانبان. ومن الواضح أن هناك رغبة كبيرة في تحقيق مزيد من التقارب في مجالات جديدة للتعاون. ولهذا تركزت المباحثات على بحث ما يمكن أن يقوم به الجانبان أكثر في سبيل تعزيز«الرباعي» وجعله مبادراً واستباقياً.

وتظل العلاقة الدفاعية أحد أهم مجالات التعاون. ففي الوقت الراهن، أصبح الدفاع أحد أهم ركائز شراكات الهند الاستراتيجية مع الخارج. وقد كان ذلك واضحاً من بيان وزير الدفاع «راجناث سينغ»، الذي قال إن الهند ستمضي قدماً في الارتقاء بالشراكة في مجال الدفاع إلى مستوى أعلى. وقد توسع التعاون العسكري بين البلدين حالياً ليشمل الحرب المضادة للغواصات والتزود بالوقود جوا.

كما يعمل البلدان حالياً على استكشاف آفاق التعاون في مجال المياه وتعزيز العلاقات في قطاعات مثل المعادن الحيوية والفضاء والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، ولا سيما أن العلاقات بين البلدين شهدت نمواً ملحوظا خلال العامين الأخيرين، وهناك إرادة سياسية قوية تحدو الجانبين لتطوير العلاقة وسط تقارب متزايد بشأن مجموعة من المجالات. وكانت الهند وأستراليا قررتا الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى «شراكة استراتيجية شاملة» في 2020 للتأشير على الأهمية المتزايدة لهذه العلاقة وسط نظام عالمي متغيّر.

واستراليا والهند ركزتا اهتمامهما بشكل خاص على التعاون في منطقة الهند والمحيط الهادي، فأطلقتا «الرؤية المشتركة للتعاون البحري في مناطق الهند والمحيط الهادي»، وعقدتا «اتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل»، التي تسمح لجيشي البلدين بالاستخدام المتبادل للقواعد والتعاون في المجال الإنساني والإغاثي في حالات الكوارث وتمرينات الموانئ وتمرينات المرور.

ويذكر هنا أن لدى الهند اتفاقا لوجستياً مماثلاً مع الولايات المتحدة أيضا. وبعد رفع مستوى العلاقة ورسم آفاق التعاون الدفاعي والأمني، وقّع البلدان العام الماضي اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري. وفي كلمة له حول الشراكة الاقتصادية، قال وزير الخارجية الهندي «جاي شنكر»: «إن البلدين استفادا من الاتفاقية وهناك تقارب متزايد بخصوص سلسلة من المجالات، وهذه هي السنة الأولى ... إننا نشهد تأثيرها الذي كان إيجابيا جدا على تجارتنا».

ويتزايد الزخم في العلاقات بين البلدين في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات استثنائية ومن ذلك تلك المتعلقة بحكم القانون وكيف أنه من المهم للبلدين التخطيط لهذه التحديات باعتبارهما شريكين استراتيجيين شاملين. كما سلط الوزير الهندي الضوء على تزايد الزخم الحقيقي في الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الهند وأستراليا. غير أن أحد الجوانب المهمة في العلاقة هو الروابط بين الشعبين التي تظل قوية. والجدير بالذكر هنا أن الطلبة الهنود هم ثاني أكبر مجموعة طلابية بين الطلبة الدوليين الذين يدرسون في أستراليا علاوة على الجالية الهندية الكبيرة.

وفي هذا الصدد، وقّع الجانبان «اتفاق تنقل العمالة» لتسهيل القوانين المتعلقة بتبادل الطلبة والباحثين والخريجين ورجال الأعمال. لكن امتناع الهند عن تحرير الوصول إلى الأسواق في مجال الزراعة وعدم رغبة أستراليا في السماح بقدر كبير من تنقل العمالة يظلان التحديين الرئيسيين إزاء إتمام اتفاقية تجارة حرة كاملة. بيد أن ما يحرّك العلاقة الثنائية هو اتخاذ أستراليا الهند شريكا مهماً في سياستها المتعلقة بالمحيط الهادئ، وصعودها إلى الواجهة كشريك أمني من الطراز الأول.

ويُعد المحيط الهندي عنصراً أساسياً لأمن البلدين وازدهارهما، ولم يسبق للبلدين في أي فترة سابقة من تاريخهما أن جمعهما مثل هذا التوافق الاستراتيجي الكبير. وعلى المستوى الثنائي أيضا، تنظر أستراليا إلى الهند باعتبارها شريكاً لإنشاء سلاسل توريد موثوقة وشفافة للتكنولوجيات الحيوية مثل أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، واتباع الابتكار التعاوني في مجالات مثل الأجهزة الطبية واللقاحات.

ومما لا شك فيه أن التقارب المتزايد بين البلدين سيستمر، وخاصة في وقت يعتمدان فيه على الوصول الحر والمفتوح إلى الممرات البحرية في منطقتي الهند والمحيط الهادئ من أجل مصالحهما التجارية والاقتصادية.

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي