اختتمت قمة قادة مجموعة العشرين أعمالها في نيودلهي بتحقيق إنجاز كبير تحت رئاسة الهند، حيث تحول التركيز من القضايا السياسية المحيطة بالأزمة في أوكرانيا إلى التركيز على القضايا الاقتصادية التي يواجهها العالم، بما في ذلك التباطؤ العالمي وارتفاع التضخم الغذائي.

وتحت رئاسة الهند، اتفق زعماء المجموعة على بيان مشترك بعد التوصل إلى توافق في الآراء بشأن صياغة النص النهائي بشأن أوكرانيا. وقررت الدول الغربية الامتناع عن إدانة روسيا بشكل مباشر لتقديم رد موحد بشأن القضايا الاقتصادية. وصلت المفاوضات إلى النهاية مع اعتراف المسؤولين الهنود بالمساعدة التي قدمتها الاقتصادات الناشئة، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والرئيس السابق للمجموعة، إندونيسيا، لدفع الدول الغربية من جانب والصين وروسيا من جانب آخر لتجاوز الخلافات السياسية مع الغرب بشأن أوكرانيا. في آخر اجتماع قمة لمجموعة العشرين، والذي عُقد في بالي، واجهت إندونيسيا صعوبة بالغة في إدارة إعلان مشترك بعد جولات متعددة من المفاوضات، وتعمقت خطوط الصدع منذ ذلك الحين.

وحاد إعلان دلهي عن إعلان بالي وأسقط الإشارة إلى توصيف تفاصيل الأزمة الأوكرانية. وجاء في الإعلان أن قادة مجموعة العشرين يدعون «جميع الدول إلى التمسك بمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك السلامة الإقليمية والسيادة والقانون الدولي الإنساني والنظام المتعدد الأطراف الذي يصون السلام والاستقرار».

وفي الوقت نفسه، سلط الإعلان الضوء على التداعيات الاقتصادية للحرب، وأشار إلى اتفاق الحبوب الذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة، ودعا إلى «تنفيذه بشكل كامل وفعال وفي الوقت المناسب» لتسهيل حركة الحبوب والمواد الغذائية والأسمدة، وهي مدخلات من الاتحاد الروسي وأوكرانيا.وتحت رئاسة الهند، شهدت المجموعة أيضاً تمثيلاً متزايداً من الدول النامية، إذ تم إدراج الاتحاد الأفريقي، وهو تجمع يضم 55 دولة أفريقية، كعضو في مجموعة العشرين. ودعا رئيس الوزراء ناريندرا مودي في اليوم الأول للقمة رئيس الاتحاد الأفريقي «غزالي عثماني» لشغل مقعد كعضو دائم. وعلى النقيض من حرب أوكرانيا، فإن انضمام الاتحاد الأفريقي، المجموعة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي، إلى مجموعة العشرين حظي بتأييد واسع النطاق، الأمر الذي عزز تمثيل الدول النامية في المجموعة.

ومن الأحداث الأخرى التي استحوذت على الاهتمام على هامش القمة كان الإعلان عن ممر للسكك الحديدية والشحن من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا. ويعتبر الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو جهد بذلته دول عديدة لدفع التجارة من خلال تعزيز البنية التحتية للسكك الحديدية والشحن بين الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا.

ويهدف هذا الممر، الذي وصفه الرئيس جو بايدن بأنه «تغيير في قواعد اللعبة»، أيضاً إلى إنشاء بنية تحتية للكهرباء والاتصال الرقمي، بالإضافة إلى خطوط أنابيب لنقل الهيدروجين النظيف. وسيربط الممر الشرقي الهند بالخليج العربي، بينما سيربط الممر الشمالي الخليج العربي بأوروبا. ولا يزال التمويل والتفاصيل الأخرى قيد الإعداد.

أشارت مذكرة التفاهم إلى مد خطوط السكك الحديدية التي ستوفر عند اكتمالها شبكة عبور موثوقة وفعالة من حيث التكلفة عبر الحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البحري والبري الحالية، مما يؤدي إلى تعميق تجارة السلع والخدمات.

واعتبر الكثيرون المشروع بمثابة طريق التوابل الحديث الذي يمر عبر المحيط الهندي، وكان طريق التوابل عبارة عن شبكة من الطرق البحرية والبرية التي تربط الشرق بالغرب، وتضمن روابط بين الهند والشرق الأوسط وعبر ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي إلى أوروبا. كان يُطلق على هذه المسارات طرق التوابل لأن السلع الأكثر ربحية التي تم تداولها خلال تلك الفترة كانت بشكل أساسي التوابل مثل الهيل وما إلى ذلك. وتتم مقارنة هذه المبادرة بمبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي يُنظر إليها أيضاً على أنها طريق حرير حديث يمتد عبر القارات ودول متعددة. ويُنظر إلى هذه المبادرة على أنها وسعت نفوذ الصين العالمي، حيث انضمت نحو 148 دولة إلى هذه المبادرة.

وتنتظر مجموعة العشرين الآن مهمة كبيرة تتمثل في المساعدة في التخفيف من تداعيات تضخم أسعار الغذاء، إلى جانب أمور أخرى. إذ أنه من المتوقع أن ينخفض النمو العالمي بنسبة تتراوح بنحو 3.5% في عام 2022 إلى 3.0% في كل من عامي 2023 و2024، وفقا لصندوق النقد الدولي. ولا يزال تضخم أسعار الغذاء يشكل مصدر قلق رئيسي بالنسبة للبلدان النامية. وقد سعى زعماء المجموعة في إعلانهم المشترك إلى «تسليم فوري ودون عوائق للحبوب والمواد الغذائية والأسمدة أو المدخلات» من روسيا وأوكرانيا لتلبية الطلب في البلدان النامية والأقل نموا، وخاصة تلك الموجودة في أفريقيا.

لكن لم يكن هناك أي التزام من روسيا، التي انسحبت في شهر يوليو من صفقة الحبوب التي سمحت بالمرور الآمن للحبوب والمواد الغذائية الأخرى. ومن ثم فإن مجموعة العشرين لديها مهمة كبيرة في المستقبل، حيث يتطلع العالم إلى حلول للمشاكل الاقتصادية العالمية.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي