تناولنا في المقالين السابقين تأثير أزمة التغير المناخي على البشرية والكرة الأرضية بشكل عام وعلى الغذاء وأزمة المجاعة في العديد من بقاع العالم بشكل خاص. لكن المنظمات الدولية المتخصصة في توفير الغذاء للجوعى تضع أزمةَ التغير المناخي في المرتبة الثانية لمسببات المجاعة بعد الصراعات المسلحة.

وبالرغم من أن الحروب الأهلية أو النزاعات المسلحة الداخلية قد تنشأ نتيجة التنافس على الغذاء والموارد الشحيحة، وذلك عندما يدفع الطقس المتطرف الناس إلى اليأس، وخلق بيئة مهيئة للعنف، إلا أن أغلب تلك الصراعات تنشأ أيضاً لأسباب سياسية أو اجتماعية، وبالتالي فإن نتائجها خطيرة بشكل عام على توفر الغذاء.

فاندلاع الصراعات المسلحة وانتشارها يتسبب في انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم، وزيادة معدلات البطالة، وانهيار البنية التحتية.. الأمر الذي تترتب عليه ندرة الغذاء وانتشار الجوع بين الفئات السكانية الهشة. ومعلوم أن العنف يولِّد سلسلةً من الأزمات والصدمات يصاحبها تدميرٌ للبنية التحتية، وتوقفٌ للواردات، وقطعٌ للطرق، وانتشار لأعمال النهب وخاصة نهب المواد الغذائية التي توفرها الوكالات الإنسانية.. وبالتالي انعدام الأمن الغذائي وانتشار المجاعة.

    وبالرغم من تطور شبكة النقل اللوجستي في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ووجود فائض من الحبوب الغذائية على مستوى العالم، وتكوّن الانطباع بأن ذلك سيؤدي تلقائياً إلى سهولة نقل الغذاء نسبياً من المناطق ذات الفائض في إنتاج الغذاء إلى المناطق التي تعاني من نقص السلع الغذائية.. إلا أن التطورات في العالم خلال العقود القليلة الماضية لا تؤكد هذه الفرضية، وذلك مع ارتفاع وتيرة الصراعات المسلحة في العديد من مناطق العالم.

وقد نتج عن هذه الصراعات فشل الحكومات والمنظمات الإنسانية المتخصصة في توفير الغذاء للسكان المتضررين، وذلك نتيجةً لما يصيب شبكات التجارة والنقل من تعطل واضطراب. وإضافة إلى ذلك، فإن النزاعات المسلحة تؤدي إلى تهجير ونزوح الأشخاص من منازلهم واللجوء إلى مخيمات إيواء في ظل أحوال معيشية وصحية ومناخية صعبة وخطيرة.  

  وتؤكد تقارير المنظمات الدولية المتخصصة وجود ما يقرب من 60% من الأشخاص الأكثر جوعاً في العالم في المناطق المتأثرة بالصراعات، وبأن 8 من كل 10 من أسوأ الأزمات الغذائية في العالم ناجمة عن الحرب والاضطهاد والصراع، الأمر الذي أدى إلى نزوح ما يناهز 80 مليون شخص من منازلهم بسبب الصراع في عام 2020. ويشير مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع أن يعاني حوالي 345 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في عام 2023، أي أكثر من ضعف العدد في عام 2020.

    ونتيجة لذلك فإن الشعور يتنامى بين المنظمات الدولية الإنسانية المتخصصة في برامج الغذاء العالمي بأن تزايد العنف والصراعات المسلحة يؤدي بلا ريب إلى تزايد مخاطر التأثير على النظم الغذائية والمحاصيل وسبل العيش، وبالتالي ارتفاع عدد الوفيات نتيجة للمجاعة. ولذا فستظل النزاعاتُ المسلحةُ المحركَ الرئيسيَّ لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في مناطق الصراعات في العالم. وذلك يُحتم على دول العالم التعاون معاً بغية التخفيف من أسباب اندلاع النزاعات المسلحة، وسعياً للقيام بتسهيل عمل منظمات الغذاء العالمية في إيصال الغذاء للجوعى في مناطق وقوع الصراعات المسلحة.

*باحث إماراتي