إن تعريف الأمن الغذائي لدى منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) هو: «عندما يتمتع جميع الناس في جميع الأوقات، بإمكانية الوصول المادي والاقتصادي إلى أغذية كافية وآمنة ومغذية لتلبية احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية».

وبعبارة أخرى، فإن الأمن الغذائي يعني الوصول بشكل ثابت وموثوق إلى أغذية آمنة ومغذية. فعندما يصبح توافر مصادر الغذاء وإمكانية الوصول إليها وجودتها التغذوية واستقرارها على المدى الطويل متوتراً أو غير موجود، فإن انعدام الأمن الغذائي يصبح موجوداً، ومن جهة أخرى لا يمكن أن يكون هناك أمن وسلامة غذائية إذا لم يتم توحيد معايير الأمن والسلامة الغذائية عالمياً، وتكون الأغذية المحظورة في الدول ذات المعايير العالية في الأمن الغذائي كالدول الأوروبية غير مسموح بها كذلك في الدول الأخرى، ونهاية عصر المنتجات الغذائية، التي توضع عليها ملصقات توضيحية تكتب بها مئات الكلمات بخط لا يرى بالعين المجردة.

فالسلامة الغذائية يجب أن تكون ضمن آليات تحقيق الأمن الوطني للدول، ولا تترك فقط للجهات التخصصية المهنية والفنية، وعدم الإكتفاء بأقل المعايير التي تلبي الاشتراطات، وألا يُسمح أن يكتب على المنتجات أنها خالية من الهرمونات والمضادات الحيوية عندما تكون هذه الاشتراطات موضوعة في تلك الدول منذ ربع قرن، وهو أمر متعارف عليه، فلماذا هذا التضليل الذي يقع على المستهلك؟!

بدلاً من أن نوضح له أن ما يستخدم لتغذية تلك السلع الغذائية من مواد معينة قد تساهم في تقليل الخصوبة عند الرجل على سبيل المثال، حيث يجب أن توضّح مخاطر المواد التي استخدمت في تغذية الحيوان أو النبات. قوانين وتشريعات الأمن الغذائي في الغالب لا تدافع عن حقوق التاجر على حساب المستهلك، ولكن توضع الحكومات أحياناً تحت ضغط ادعاءات أن تلك الشركات جزء من تحقيق الأمن الغذائي، وكيف تكون كذلك عندما تكون النوعية تحت دائرة الشكوك، وخاصةً أن بعض كبار المسؤولين في تلك الشركات والبرلمانات والحكومات التي تعتمد تلك المعايير لا تستهلك من تلك الأغذية التي تباع في الأسواق التقليدية، بل حتماً تستهلك الأغذية التي تخضع لمعايير سلامة وصحة مختلفة يستحقها كذلك الفرد العادي في المجتمع.

الأمر معقد في كل قارات العالم دون استثناء، فالأغذية اليوم معظمها معدلة وراثياً لتلبي التسارع الكبير في النمو السكاني في العالم، والذي إذا ما استمر ستجد البشرية نفسها في حروب على الموارد الغذائية ومصادر المياه، مما سوف يقلل من نسبة التواجد البشري على الكرة الأرضية، وهو ما قد يجعل كبار مفكري ومخططي الأمن الاستراتيجي للدول الكبرى تحت الضغط لوضع خطط لتقليص التواجد البشري الذي لا يشكل إضافة للوجود البشري، وبالرغم من قساوة هذا الأمر، لكنه أحد الخيارات المطروحة!

من الناحية الفنية، إننا ننتج ما يكفي من الغذاء لإطعام سكان العالم بالكامل، ومع ذلك فإن الملايين يعانون من نقص التغذية ولا يحصلون على قوت يومهم، ووفق الأمم المتحدة في سنة 2022 نام ما يصل إلى 811 مليون شخص في العالم جائعين كل ليلة، ومنذ عام 2019 زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد من 135 مليوناً إلى 276 مليوناً، أي إلى أكثر من الضعف، ويواجه ما مجموعه 48.9 مليون شخص مستويات طارئة من الجوع، مما يعني صعوبة تحقيق الأمن التغذوي في ظل تراجع سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية اليوم، وتشير البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن الأمراض المنقولة بالغذاء تتسبب كل عام في إصابة واحد من كل 10 أشخاص على هذا الكوكب بالمرض، ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة على مدى العقود الأربعة المقبلة من المتوقع أن يزيد عدد سكان العالم بمقدار 2 مليار نسمة وأن يصل إلى 9.8 مليار نسمة بحلول عام 2050، مما سيعزز ارتباط السياسة والحروب والأمراض بالأمن الغذائي.

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.