أثار الانقلابُ العسكري الأخير في النيجر ردودَ أفعال واسعة بعضها تعودنا عليه بعد كل انقلاب يحدث في دولة أفريقية، والبعض الآخر مُسْتَجَد بفعل حساسية التنافس الدولي الراهن في أفريقيا. وتتمثل ردود الفعل المتوقعة والمعتادة فيما درج عليه الاتحاد الأفريقي من رفض الانقلابات العسكرية، وعدم الاعتراف بها، وتجميد عضوية الدول التي تتعرض لها، وهي خطوات يُقصد بها دون شك تعزيز الديمقراطية. لكن ثمة ملاحظات مهمة ترد عليها لعل أهمها اثنتان؛ أولاهما التعقيد الذي يحيط بتعريف الانقلاب العسكري، كما حدث في حالة التغييرات التي شهدتها مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013 التي تفجرت بشبه إجماع للشعب المصري على رفض الحكم الفاشي لـ«الإخوان المسلمين»، ومع ذلك اعتُبرت انقلاباً لأن القوات المسلحة كانت هي مَن تولى تأمين الثورة وقيادتها. ويعني هذا أن الاتحاد الأفريقي بتجميده عضويةَ مصر حينئذ كان ينصر الفئةَ الفاشيةَ الحاكمةَ على الأغلبية الشعبية، ويمثل هذا معضلةً في اعتبار تجميد العضوية آليةً لتعزيز الديمقراطية!
أما الملاحظة الثانية فلا ترد على الخطأ في تطبيق مفهوم الانقلاب على أحداث بعينها، وإنما على اكتفاء هذه الآلية بالتعامل مع الحدث كعَرَض دون البحث في أسبابه وعلاجها.. فماذا لو أن هناك أسباباً موضوعيةً لانقلاب ما؟ قد يدفعنا الحرصُ على الديمقراطية إلى التفكير في طريقة ما لإزالة هذه الأسباب بدلا من الانتظار حتى تفجر الأوضاع وتجاوز المؤسسات الشرعية ثم عزل الخارجين عليها وفرض العقوبات عليهم، مما لا يقضي بالضرورة على الظاهرة، ويحتاج هذا تغييراً في فكر المؤسسات القائمة على حماية الشرعية الدستورية وأدائها، وهو ليس بالتغيير السهل.
ويُضاف إلى الملاحظتين السابقتين أن النظرة التقليدية إلى الانقلابات باعتبارها عملا تقوم به مجموعة من العسكريين المغامرين الطامعين في الاستحواذ على السلطة بالقوة، قد لا تكون نظرةً صحيحة بالضرورة، فبعض الانقلابات له أبعاده الوطنية. وبإمعان النظر في الانقلابات الأخيرة في غرب أفريقيا يتضح أنها في أحد أبعادها على الأقل انعكاس لرفض الاستغلال الأجنبي لثروات البلاد ولهيمنة القوى الاستعمارية التقليدية على مقدراتها. ومن هنا تحظى هذه الانقلابات بنوع من التأييد الشعبي، وليست هذه دعوة للتسامح مع الانقلابات العسكرية وقبولها، ولكنها تنبيه إلى أن طريقةَ معالجتها الحالية، أي الاكتفاء بالرفض والعزل وفرض العقوبات، طريقة غير فاعلة، وتتجاهل الأسباب الموضوعية للظاهرة، ولا تفكر في التدخل القبْلي لمنع وقوعها، أو في طرح تسويات بديلة بالضغط على الانقلابيين لطرح برنامج زمني واضح وملزِم لاستعادة المؤسسات الدستورية، بدلا من التهديد بالتدخل العسكري الذي قد يقع في حالة النيجر في أي لحظة، رغم وجود كوابح تمنعه.. لكن مصالح القوى الكبرى كفيلة بالدفع إلى قرارات غير رشيدة كالتدخل العسكري الخارجي. ولو وقع مثل هذا التدخل، لا قدر الله، لاكتملت حلقة العنف المفرغة، وبدأ صراع ستكون له أبعاده الإقليمية طالما أن دولا مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا قد أعلنت أنها تعتبر أي تدخل خارجي في النيجر عدواناً عليها، ولن يكون البعد الدولي بخاف عن صراع كهذا، خاصة على ضوء التنافس الواضح بين قوى الهيمنة الغربية التقليدية من ناحية، والقوى الصاعدة أفريقياً كالصين وروسيا من ناحية أخرى، وسوف تكون الديمقراطية هي الضحية الحقيقية لهذا النهج الراهن.


*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة