تتفاعل تداعيات تطبيق العقوبات الأميركية على 18 مصرفاً عراقياً، في ظل إلى اشتباك سياسي وقانوني حول اختراقها للسيادة النقدية، وأضيفت هذه العقوبات إلى سلسلة تحديات تواجهها حكومة محمد شياع السوداني. ويعتقد بعض العراقيين أن هذه العقوبات تستهدف الاقتصاد العراقي وتتعامل معها واشنطن لتحقيق مصالحها في العراق، وهي تعكس السياسة الأميركية التي تهدف إلى «جلد الشعوب» وحرمانها من الاستقرار الاقتصادي. ويدعم هذا الفريق من «المتشائمين» الذين يتوقعون أن تستمر الأزمة مع قيام احتجاجات شعبية، بما يؤثر على مسيرة الحكومة ويعرقل أعمالها.
أما المتفائلون فربما يمثلهم محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق الذي أكد أن تطبيق «المنصة الإلكترونية» للتحويل الخارجي يؤكد سلامة معاملات التحويل ودقتها وفق المعايير والممارسات الدولية وقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وساهم في التخفيف من التأثير السلبي للعقوبات، لأن المصارف الممنوعة من الدولار لا تشكل طلباتها سوى 8% من مجموع التحويلات الخارجية. وهذا مع العلم بأن هذه المصارف ما تزال تتمتع بكامل الحرية في التعامل بالدينار في مختلف الخدمات ضمن النظام المصرفي العراقي، فضلا عن حقها في التعامل الدولي بجميع العملات الأجنبية.
وإذا كان سعر صرف الدينار العراقي قد سجَّل انخفاضاً وصل إلى 1600 دينار للدولار، فإن ضبط حركة «الدولار العراقي» مع تطبيق الإجراءات السليمة، يمكن أن يؤدي (وفق رأي البنك المركزي) تدريجاً إلى خفض سعر الدولار، ليقترب من السعر الرسمي البالغ حالياً 1320 ديناراً والمعتمد في مزاد العملة. ويمكن تعويض حصة المصارف «المعاقَبة» بإعطائها لمصارف أخرى، حيث يوجد 38 مصرفاً على لائحة «نافذة العملة» من أصل 72 مصرفاً تعمل في العراق.
وكان المركزي قد أصدر في 20 يوليو الجاري قراراً بحرمان 14 مصرفاً عراقياً من التعامل بالدولار الأميركي، وذلك تنفيذاً لعقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن هذه المصارف متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية وتحويلات إلى بلدان مجاورة، بعضها يتعلق بأفراد خاضعين للعقوبات. وهي ثاني مرة تُحرَم فيها مصارفٌ عراقيةٌ من التعامل بالدولار، وكانت المرة الأولى في نوفمبر 2022 عندما فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على 4 مصارف متهمةً بتهريب العملة والهروب من رقابة «الاحتياطي الفيديرالي».
وجاءت الرقابةُ الأميركية ضمن اتفاق سياسي شاركت فيه واشنطن، مع الحكومة العراقية لمنع تهريب الدولار أو تحويله إلى بعض الجماعات المسلحة عن طريق بعض المصارف التي تسيطر عليها أحزابٌ سياسيةٌ، بعدما تبين أن معدل البيع اليومي في«مزاد العملة» بلغ 250 مليون دولار، بينما الإنفاق الفعلي للتحويلات التجارية والمدفوعات الحقيقية لا يزيد عن 80 مليون دولار. ويُقدِّر تقرير للمركز العالمي للدراسات التنموية، ومقره لندن، أن ثلثي مبيعات ما يعرف بـ«نافذة بيع العملة» لم تستفد منها السوقُ العراقية على مدى العقدين الماضيين، مما أدى إلى خسارة نحو 400 مليار دولار. ولم يستبعد التقرير البريطاني أن تسبب عملياتُ تهريب الدولار في عزل وحظر مزيد من المصارف العراقية، لأن بعضها يسهم في خرق العقوبات الأميركية.
وانطلاقاً من أن الولايات المتحدة تمتلك سلطتها على الدولار لكونها تنتجه وتصدره، وبما أن عائدات النفط العراقي تودع منذ سنوات لدى البنك الفيديرالي الأميركي الذي يلبي سحوبات بغداد وتغطية «مزاد العملة»، فقد اتخذ بدوره إجراءات تفرض شروطاً مشددة تلزم الجانب العراقي بعرض قوائم أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة من «الدولار المباع» للموافقة عليها أو رفضها.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية