في مساء يوم 11 يوليو 2022 نشر الرئيس الأميركي جو بايدن صورة على تويتر. كانت نقاط الضوء البرتقالي والأزرق والذهبي تتلألأ وتحوم حول الفراغ الأسود في الفضاء. لقد أصبح كوننا يُنظر إليه من خلال عدسة جديدة. كانت الصورة هي الأولى التي يتم التقاطها من تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) التابع لوكالة ناسا الأميركية للفضاء، والذي تم الإعلان عن إنشائه كخطوة رئيسية في دراسة الكون.

وكتب بايدن في تغريدته: «تلك هي الصورة الأولى التي يتم التقاطها من تلسكوب جيمس ويب الفضائي، والتي تمثل لحظةً تاريخيةً للعلم والتكنولوجيا. من أجل علم الفلك واستكشاف الفضاء، ومن أجل أميركا والبشرية جمعاء». وسرعان ما تبع تلك الصورةَ عددٌ لا يحصى من الصور.

لكن الصور وحدها، على الرغم من كونها مبهرة، لا تعبّر عن الإنجازات العلمية التي أتاحها هذا التلسكوب الذي خَلَف تلسكوبَ هابل الفضائي، أو تلك الإنجازات الأخرى التي تلوح في الأفق، إذ يعد تلسكوب جيمس ويب أكبر وأقوى من سابقيه. يقول جون ماثر، كبير علماء الفيزياء الفلكية في وكالة ناسا: «نتوقع أن تكون كل صفحة من الكتب المدرسية الجديدة في علم الفلك مختلفة بسبب ما وجدناه».

وبينما كان هابل في الأساس تلسكوباً تصويرياً، فإن تلسكوب جيمس ويب ذو حجم يسمح له بالتخصص في التحليل الطيفي، أي قياس الضوء من حيث الطول الموجي. عندما يتعلق الأمر بعلم الفلك، يمكن أن يكشف التحليل الطيفي عن العديد من التفاصيل المادية حول جسم سماوي: مثل درجة حرارته، وعمره، ومكوناته، ومدى سرعة حركته. وهناك ميزة أخرى للتلسكوب هي قدرته على مراقبة الضوء في نطاق الأشعة تحت الحمراء.

نتيجة لذلك، يمكنه رؤية الأشياء البعيدة، تلك التي تحجبها سحب الغبار، أو تلك التي تصدِر الأشعة تحت الحمراء فقط. وكان سلفه الآخر «سبيتزر» في الأساس تلسكوباً يعمل بالأشعة تحت الحمراء، لكن الحجم الأكبر بكثير لتلسكوب جيمس ويب يجعله قادراً على الرؤية بعيداً وبدقة أكثر وضوحاً. يقول ماسيمو ستيافيلي، قائد مهمة التلسكوب، إن هذا، إلى جانب براعته في التحليل الطيفي، «يجعله آلة مختلفة تماماً». والحجم المثير للإعجاب لمرآة تلسكوب جيمس ويب، والمزودة بمساحة تجمع الضوء ستة أضعاف مساحة مرآة تلسكوب هابل، هي بفضل تصميم فريد، حيث إنها في الواقع مصنوعة من 18 مرآةً أصغر تتفتح لتشكل مرآةً متجانسةً بعد إطلاق التلسكوب.

وربما كانت المفاجأة الأكبر حتى الآن هي أن المجرات الأولى كانت أكبر وأكثر إشراقاً وسخونةً مما توقعه العلماء. يقول الدكتور ماثر: «لا نعرف السبب. قد يكون شيئاً غريباً بشأن الطريقة التي تنمو بها النجوم. يمكن أن يكون الكون المبكّر مختلفاً تماماً، حتى أنه من الممكن تصور وجود أشياء غريبة حول توسع الكون نفسه».

قدمت الملاحظات التي تم إجراؤها باستخدام التلسكوب أيضاً تلميحات حول ما يسميه الدكتور ستيافيلي «جمهرة النجوم الثالثة» (في علم الفلك جمهرة النجوم مصطلح يشير إلى مجموعة من النجوم داخل المجرة التي تشبه بعضَها البعض في التوزيع المكاني، والتركيب الكيميائي والمعدنية (كميات العناصر) ولها نفس العمر، وهي وسيلة لكشف الأحداث الماضية في مجرتنا وطريقة تشكّلها. ونظراً للاختلافات الكبيرة للغاية بين أطياف النجوم، قسمت النجوم إلى شعبتين رئيسيتين تحت مسمى جمهرة النجوم الأولى وجمهرة النجوم الثانية، بناء على تكوينها الكيميائي أو المعدني، وأُضيفَ تقسيمٌ آخر يعرف باسم جمهرة النجوم الثالثة.

هذه النجوم تتكون فقط من الهيدروجين والهيليوم، أي العناصر التي يقول الفيزيائيون إنها شكلت الكونَ بعد الانفجار العظيم. تم اقتراح جمهرة النجوم الثالثة، على الرغم من عدم ملاحظتها بشكل قاطع بعد، على أنها أرض خصبة محتملة لتشكيل العناصر الأثقل الأخرى الموجودة في النجوم مثل شمسنا وفي الكواكب وحتى في البشر.

وقد جادل بعض المراقبين بأنهم رأوا دليلاً على وجود نجوم من جمهرة النجوم الثالثة بوساطة تلسكوب جيمس ويب. وبالإضافة إلى المجرات البعيدة، فإن تلسكوب جيمس ويب بارع أيضاً في مراقبة الكواكب خارج نظامنا الشمسي، والتي تسمى الكواكب الخارجية، والتي يُنظر إليها على أنها مفتاح البحث عن حياة أخرى في الكون. وعلى وجه الخصوص، فقد مكّن التلسكوب العلماء من تحليل العديد من الكواكب الخارجية باستخدام الضوء في نطاق الأشعة تحت الحمراء.

تقول نيكول لويس، عالمة الفلك بجامعة كورنيل والمتخصصة في الكواكب الخارجية، «إن الأشعة تحت الحمراء غنية جداً بدراسة الأشياء الدقيقة للغاية، مثل الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وأول أكسيد الكربون وأنواع مختلفة مما نسميه الهباء الجوي، أي الغيوم والضباب».

وكان الاكتشاف المهم بشكل خاص هو وجود ثاني أكسيد الكربون في «كواكب المشتري الساخنة»، وهي عمالقة غازية أكثر دفئاً من تلك الموجودة في نظامنا الشمسي، وذلك على خلاف مع ما توقعته النماذج. ويقول الدكتور ستيافيلي، مشيراً بشكل خاص إلى التطورات الجارية بالفعل في تكوين المجرات والنجوم: «نحن على وشك أن نخطو خطوة كبيرة في الفهم في كثير من المجالات».

وفي مجال أبحاث الكواكب الخارجية، ينصب الكثير من التركيز على العلماء الذين يحاولون قياس الغلاف الجوي للكواكب الخارجية الصخرية، على غرار الأرض. وحتى الآن، لم يتم التأكد من وجود غلاف جوي لكوكب خارجي صخري. وستكون النتيجة في هذا المجال خطوةً حاسمة في البحث عن أشكال حياة أخرى.

ليام أرتشاكي*

*صحفي بارز لدى صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»