في الوقت الراهن تشهد الأسواق المحلية ارتفاعات في أسعار السلع والخدمات شأنها في ذلك شأن معظم إنْ لم يكن جميع دول العالم، خاصة في العامين 2022- 2023. ويشير عدد من خبراء الاقتصاد إلى وجود عوامل وأسباب خارجية وداخلية لها أثرها في خلق هذه الحالة. بالنسبة للعوامل والأسباب الخارجية، التي هي محور حديثنا في هذه المقالة، يشار إلى وجود الارتباط بين الأسواق المحلية والأسواق العالمية، فما يحدث على الصعيد العالمي تنعكس آثاره على الأوضاع الاقتصادية الداخلية للبلاد، وذلك لاعتماد أسواقها المحلية على ما يتم استيراده من السلع من الخارج، حيث يغطي ذلك الاستيراد جانباً مهماً من احتياجات الأسواق من السلع المتداولة فيها، سواء كانت سلعاً جاهزة للاستهلاك الفوري أو سلعاً تدخل كوسيط في المناشط الاقتصادية المحلية. لذلك، فإن العديد من السلع المستوردة تعمل كعوامل خارجية تدفع بالأسعار في الداخل إلى الارتفاع بسبب الضغوط التضخمية في بلاد المنشأ.

وبالتأكيد أن تلك الضغوط كثيرة، ويمكن الإشارة مثلاً إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع معدلات أجور العمالة، والاضرابات العمالية المنادية بزيادة الأجور، خاصة في دول الغرب وأوروبا والولايات المتحدة، وارتفاع أسعار الوقود ونفقات النقل كالشحن البحري والبري والتأمين. إن من شأن تلك العوامل زيادة التكلفة الإجمالية للسلع الواردة إلى أسواق الدولة، فزيادة سعر الفائدة الناتج عن تحول رؤوس الأموال إلى مجالات الاستثمار يؤدي إلى ارتفاع مستوى سعر الفائدة، وذلك لجذب رؤوس الأموال إلى الادخار بصورة ودائع لدى البنوك.

وارتفاع سعر الفائدة له نتيجة أخرى، هي ارتفاع معدل العائد من الاستثمار، بمعنى أن معدل الكفاية الجدية للاستثمار يفوق سعر الفائدة، أي أنه يصبح على مقترض رؤوس الأموال دفع عائد أعلى لرأس المال المقترض هو أعلى من سعر الفائدة السائد، وإلا فإن المقرضين سيحولون أموالهم إلى البنوك في شكل ودائع بنكية، ومن شأن ذلك أن يرفع التكلفة وأن يخفض نسبة الأرباح. ولأن أسواق الإمارات، بما في ذلك أسواقها المالية، دائمة الحركة والنشاط، فإن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية عادة ما تجد لها صدى على المستوى الداخلي، حيث ترتفع أسعار الفائدة في الداخل أيضاً، ونتيجة لذلك يتأثر السوق المالي في البلاد، حيث تنتعش حركة التعامل في أسهم الشركات المحلية وتتجه أسعارها إلى الارتفاع، نظراً لزيادة الطلب عليها كما تزيد تدفقات رؤوس الأموال من الخارج لمستثمرين أجانب وتزيد ودائعهم واستثماراتهم بالدرهم الإماراتي لدى البنوك العاملة في البلاد من مواطنة وغيرها.

وقد يكون مجال الصناعات الخفيفة، ثم بعد ذلك مجال الخدمات ومجال الاتجار في السلع الغذائية المستوردة والمصنعة في الداخل هي الأكثر جذباً لأنها تستطيع استيعاب معظم رؤوس الأموال المتدفقة من الخارج، سواء كانت عائدة لمواطنين أو لغيرهم من مستثمرين أجانب.

ومن جانب آخر، فإن ارتفاع أجور العمالة في بلاد المنشأ يعتبر عاملاً مباشراً لزيادة تكاليف إنتاج السلع، في نفس الوقت الذي تعمل فيه الإضرابات العمالية على إفراز نتائج سلبية تؤدي إلى تعطيل الإنتاج وارتفاع التكاليف، فعملية الإضراب عن العمل ذات نتائج تتسبب في تحقيق المنشآت خسائر تكون عادة جسيمة قد تؤدي إلى انهيار المنشأة، فإن لم تنهار، فإنها ستسعى إلى تعويض خسائرها عن طريق زيادة أسعار السلع المنتجة وجعل المستهلك هو الذي يتحمل الزيادة في الأجور، وهذا أمر قد يفقد السلعة قدرتها التنافسية في الأسواق.

إن العوامل هذه من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التكاليف، وبالتالي إلى زيادة أسعار السلع في بلاد المنشأ وهي الأسعار التي يشتري بها الموردون في الإمارات. ويضاف إلى ذلك تقلبات أسعار العملات الرئيسية في السنوات الأخيرة.

ورغم ارتباط درهم الإمارات بالدولار الأميركي، إلا أن اقتصاد الإمارات حساس تجاه تقلبات أسعار العملات الأخرى، بالإضافة إلى أن أسعار النفط تسعر بالدولار ما يجعل من العائدات النفطية حساسة أيضاً عند هبوط سعر الدولار، وذلك لأن الإمارات تتلقى معظم عائداتها النفطية بالدولار وتشتري احتياجاتها من السلع المستوردة بكافة العملات العالمية المتداولة في بلدان المنشأ.

*كاتب إماراتي