قبل عقدين تقريباً اجتاحت معظم دول العالم «ظاهرة» التحول الرقمي في التعليم، وإنهاء حقبة «الكتاب والقلم» والتوجه إلى أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية بحجة مسايرة التطورات في العصر التكنولوجي والثورة الرقمية. وعندها، وجدنا الجهات المسؤولة عن التعليم في تلك الدول تُخصص الميزانيات الضخمة لمرحلة التعليم الرقمي من خلال وسائل جذرية عدة.

الوسيلة الأولى، كانت رقمنة المناهج والكتب الدراسية بالكامل وإتاحتها للطلبة إلكترونياً من خلال الأجهزة اللوحية. والوسيلة الثانية، كانت تأهيل وإعداد الكوادر التعليمية من مُعلمين وإداريين في مجال استخدام التقنيات الحديثة في نظام التعليم الجديد. والوسيلة الثالثة كانت تأهيل البنية التحتية التكنولوجية في المدارس، لتتبنى البرامج والأجهزة الجديدة، أما الوسيلة الرابعة، فكانت تزويد الطلبة باحتياجاتهم من الأجهزة اللوحية التي تحتوي المناهج الدراسية الرقمية الجديدة.

ومما لا شك فيه أن ما زاد في ترسيخ أهمية التعليم الرقمي الجديد، كانت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) أواخر عام 2019 وحتى نهاية عام 2022 تقريباً والتي أجبرت دول العالم على حظر وجود الطلبة في المدارس، والتوجه نحو التعليم عن بُعد والذي تميز بالعديد من النواحي الإيجابية، ولكن في الوقت نفسه شابه الكثير من السلبيات، حيث افتقد الطالب بيئة التعليم المدرسية التي يرى فيها المٌعلم وأقرانه، ويتحاور معهم واقعياً وليس افتراضياً.

ولكن قبل أيام فوجئنا بتصريح جريء من وزارتي التعليم والثقافة في السويد، حيث أقرت الوزارتان هناك صراحة بالمستوى الضعيف الذي يسود بين طلاب السويد في مهارات القراءة والكتابة، وأن السبب في ذلك يعود إلى الاعتماد الكامل على الأجهزة اللوحية كوسيلة تعليم أساسية بدلاً من الكتب والدفاتر الورقية.

التصريح كشف التراجع الكبير في مهارات الطلاب في القراءة والكتابة، ما سيكون له تأثير خطير واستراتيجي على مستقبل الطلبة أنفسهم، وعلى مستقبل السويد أيضاً. وكانت النتيجة الدعوة إلى أهمية القراءة والكتابة كأساس راسخ وجوهري في النظام التعليمي بشكل خاص، وفي المعرفة البشرية بشكل عام. ونتيجة للدراسات الوطنية والتقارير الرسمية التي تم الإعلان عنها في السويد، سوف يتم تطبيق سياسة حكومية جديدة لمواجهة تلك الأزمة الوطنية من خلال الإعلان عن خطة للعودة إلى استعمال الورق والكتب والدفاتر الورقية والأقلام بدلاً من الشاشات الرقمية. ولذلك، خصصت حكومة استكهولم ميزانية تٌقدر بـ 685 مليون «كرون» لتأمين كتب تعليمية للطلاب، ووضع حدّ لسياسة التحوّل الرقمي في المدارس هناك. ويٌعتبر الإعلان السويدي الأول من نوعه في الدول المتقدمة الذي يؤكد أن الوسيلة الأفضل للتعليم هي عبر استعمال الكتب والورق والطرق التقليدية وليس الأجهزة اللوحية، أي التعليم التقليدي وليس الحديث الرقمي.

ما حدث في السويد سيتلوه بلا شك خطوات مماثلة في دول أوروبية أخرى، الأمر الذي يٌحتم علينا في دولة الإمارات العربية المتحدة دراسة مدى الفائدة من التعليم الرقمي وتأثيره على مهارات طلابنا في القراءة والكتابة، ومراعاة الشفافية في هذا الأمر، لضمان مخرجات تعليم أفضل في المستقبل، يتسلح بها خريج التعليم العام أو التعليم الجامعي بمهارات القراءة والكتابة المطلوبة لإتقان اللغة العربية وأداء واجباته الوظيفية.

*باحث إماراتي