جاء في بيان وزارة الداخليَّة العِراقيَّة، عن «جماعة القربان» العليلاهيَّة: «إنَّ وزارة الدَّاخلية أخذت على عاتقها متابعة الجماعات المنحرفة، والخارجين عن القانون، والعمل على بسط الأمن والاستقرار، وتحقيق السِّلم المجتمعي» (الموقع الرّسميّ 19/5/2023). حقَّاً كان بياناً يُثلج بغداد القائظة، ولكنْ تعلم الدّاخليَّة أنَّ هؤلاء غرس خطباء المنابر، العابثين بالعقول والمغالين بالكراهيَّة. 
يتسع الانحراف، عندما لا يُسأل المعلم والمعلمة: ما شأن أطفال الرَّوضات والابتدائيَّات يتدربون كيف يحزنون ويلطمون؟! وتثقيفهم بالانتقام قبل الأبجدية؟! غدت المنابر أكثر مِن النخيل عدداً، وكلُّ خطيبٍ يغرس الجهلَ، لملء السَّامعين بثقافته. 
مع تقديرنا للقلة مِن خطباء المنابر، المحاولين كبح جماح الغلو والكراهيَّة، مِن أصحاب العمائم السُّود والبيض، غير أنّ هذا الصَّوت يكاد يختفي وسط الزَّعيق، زعيق مَن أثمر «جماعة القربان»، ولا نظلم أحداً إذا أنشدنا: «صاح الغُرابُ وصاح الشّيخ فالتبست/ مسالك الأمرِ أيٌّ منهما نعبا» (الجواهري، قف بالمعرة 1944). أليس نعيباً مَن يقول: أنا وريث الإمام المنتظر؟! ومَن يقول: الله فوض الحسين قدرته، فلا يحتاج الاستئذان من القادر؟! هذا ما يُذاع غدواً وعشياً. فعن أيّ انحراف يُسأل فتيةُ «جماعة القربان»، ويُترك غارسوها أحراراً؟! 
لم يلفت الأنظار انتحار شاب في موكب حسينيّ، بسوق الشّيوخ (ذي قار/النَّاصريّة)، إلا بعد تكرار المشهد، أنْ تجري «جماعة القُربان» قرعةً بينهم، لتقديم الأنفس قرابين لعلي بن أبي طالب (اغتيل: 40هـ). عندما سمعتُ الخبر الأعجب لم اُصدقه، فقلت أوهامَ إنترنيت! فـ «العليلاهيّة» لها زمنٌ، ومستوى وعيٍ قد مضى، حتَّى أقرت الدَّاخليَّة بوجودها، واستفسرتُ الثُّقات بسوق الشّيوخ، فتبين القلق قد أصاب النَّاس على مصائر أولادهم، يمسون مشاريعَ انتحارٍ عقائديَّة إسوة بما فعلته «داعش». 
ظهرت جماعات الغلو بعليّ وأولاده قديماً، وعرفت بـ «العليلاهيَّة»، أيّ تعتبر علياً إلهاً، لكنَّ الجديد في عليلاهية «سوق الشّيوخ» تقديم القربان البشريّ! يُنبيك إنَّ العقائد الدِّينيّة إذا فُسح لها مجال الغلو، وصار حملة لوائه أقطاباً في الدَّولة، يوجهون التَّعليم، فلا يتوقف التَّمادي في هدم الدَّولة والسّلم الاجتماعي، الذي يحاول عودة روحه مِن جديد في الفترة الأخيرة. 
لا يتوهم أقطاب التّشيع الرَّافضين لـ «الغلاة والحلوليين» (المظفر، عقائد الإماميَّة)، أنَّ ما جرى نصرٌ للمذهب، فالمنابر تُثقف بالغلو والحلول بلا مراعاة لدولةٍ ودين ومذهب. 
أقول: على سادة التَّشيع تذكر ابن فلَاح المشعشع (ت: 1492م)، المازج التّصوف بالتَّشيع، والقائل: إنّه المنتظر، ثم ولده القائل: إنَّ روحَ عليّ حلّ فيه! فعاث بالنّجف وضريحها قتلاً وخراباً، لأنَّ عليّاً حيٌّ يُرزق في عقيدته (التَّستري، مجالس المؤمنين). 
لم تنتهِ المشعشيَّة إلا بمثلها، قضى عليها الصَّفويون (1508م)، بيد أنَّ الاثنين كانا غلاةً، وعقيدتهما مهدويّة واحدة، فلماذا جرت الحرب سجالاً بينهما؟! غير طلب السُّلطة بالخرافة. 
كم دعيّ بالمهدي المنتظر، وكم مغالٍ بعليّ وأنجاله، قد ظهر، لأنَّ الادعاء والغلو مصدر رزقٍ، وهو يُطبق داخل العراق بإصرار، حتَّى صار المشروع «الجهاديّ» قائماً على حطام الدَّولة والدّين، فأصبح ما نسمعه مِن أصحاب المنابر ليس بدينٍ. 
لنجم الدِّين النَّشابيّ (ت: 657هج) في يومٍ مشابهٍ: «عن فتية فتكوا في الدِّين وانتهكوا/ حماه جهلاً برأي فيه إفسادُ/ وشيخ الإسلام صدر الدِّين همته/مقصورةٌ لحطام المال يصطادُ» (كتاب الحوادث). أقول: أليس إيصال الفتيان يقتلون أنفسهم قرابين، انتهاكاً للدين وفساداً في الرَّأي؟ أليس الاستحواذ على عقارات الدَّولة والمغلوبين على أمرهم، وباسم الدِّين، الغنى بحطامها؟! 
لا تقوم قائمة للبلاد العراقيَّة، ولا تتوقف مثيلات «جماعة القربان» مِن الظُّهور، والتَّعليم مرتهن لأعواد المنابر، وهو البنية التَّحتية التي تقوم عليها حضارة العُمران لا حضارة القربان. قابلوا غزارة المال المهدور على الميليشيات، ونزارة المستثمر في التَّعليم؟! ستكتشفون الكارثة!