تشهد الساحة العربية حراكاً نشطاً هذه الأيام وعلى أكثر من مستوى، وذلك بهدف تنقية الأجواء بين الأشقاء تمهيداً للقمة العربية التي ستنعقد في مايو المقبل بالرياض، والتي يُتوقع أن تكون قمة لم الشمل، وقبيل اجتماع خليجي عربي، دعت إليه المملكة الجمعة، يركز على الشأن السوري.

وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية السوري إلى الرياض، لأول مرة منذ عام 2011، حيث بحث مع نظيره السعودي جهود التوصل لحل سياسي شامل للأزمة السورية، بينما يستعدان لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت 12 عاماً. كما قررت أيضاً مملكة البحرين ودولة قطر إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، ما يؤشر إلى مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك.

لقد عانت المنطقة على مدى أكثر من عقد من الزمن من توترات ونزاعات وصراعات أدت إلى حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، ألقت بظلالها على المحيط الإقليمي برمته، بل وحتى ما وراءه.

ولا شك أن تحقيق المصالحة بين دول المنطقة، ولاسيما الأشقاء العرب، أمر أساسي للحد من هذه الصراعات والتوترات، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة. وهناك عوامل وأسباب كثيرة تستوجب القيام بذلك دون أي تأخير، وأهمها: أولاً، وقبل كل شيء، أن تكون العلاقة بين الأشقاء على أفضل حالها فهذا هو الطبيعي، وفي هذا ضمان لمنظومة العمل العربي المشترك، وتمكين لها في مواجهة التحديات المتفاقمة على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثم تحقيق طموحات شعوب المنطقة في التنمية والرفاه.

ثانياً، لا شك أن المصالحة وتنقية الأجواء ستساعد ليس فقط في تخفيف حدة التوتر التي سادت منذ اندلاع ما سمي «الربيع العربي»، ولكن أيضاً في حل النزاعات المعقدة والتي تسببت أصلاً في تسميم الأجواء، ما يعزز من الاستقرار الذي تتوق إليه المنطقة منذ عقود. ثالثاً، يمكن للمصالحة وتصفير المشكلات أن تعزز التعاون والتكامل الاقتصادي الإقليمي، مما يخلق فرصاً جديدة للتجارة والاستثمار، ويؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي والازدهار فيها.

والدول العربية في أمسِّ الحاجة إلى تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي فيما بينها، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها المنطقة والعالم بأسره، وهو ما يتطلب اتخاذ خطوات جريئة نحو تجاوز الإرث الذي خلفته السنوات العجاف السابقة، والتي ربما لم تشهد مثلها المنطقة منذ عقود طويلة. وبالفعل فقد فطنت العديد من دول المنطقة إلى أهمية المضي قدماً في هذا النهج الذي يعزز المصالحة وتنقية الأجواء وتصفير المشكلات، وفي مقدمتها دولة الإمارات التي أعلنت على لسان  معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، أنّ تعزيز الجسور وتصفير المشاكل يمثل خيارها الاستراتيجي الأول والذي لا حياد عنه.

وهذا الخيار لا يقوم فقط على طي صفحة النزاعات الحالية والسابقة، ولكن أيضاً تحصين العلاقات الجديدة من خلال نسج روابط تجارية واستثمارية واسعة تعزز من شبكة المصالح بين دول المنطقة وفقاً لقاعدة رابح- رابح للجميع. إن تنقية الأجواء وتصفير المشكلات في المنطقة ضرورة، ليس لتحقيق الاستقرار فقط، وإنما أيضاً لبناء مستقبل أكثر سلاماً وأماناً وازدهاراً لكافة شعوب المنطقة ودولها.

*مدير إدارة البحوث والاستشارات - مركز تريندز للبحوث والاستشارات