خطت دول مجموعة «أوبك بلس»، بداية الأسبوع الجاري، خطوةً مهمةً نحو الدفاع عن مصالحها في الحصول على أسعار عادلة لصادراتها النفطية، وذلك باتفاق طوعي خفَّضت بموجبه إنتاجَها بمقدار 1.66 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام الجاري 2023، ليضاف إلى تخفيضها السابق نهاية العام الماضي والبالغ مليونَيْ برميل يومياً، ليصل مجموع التخفيضات إلى 3.66 مليون برميل يومياً، وهو ما يشكل 3.5% من مجموع الإنتاج العالمي من النفط.
لقد جاءت هذه الخطوة في وقتها تماماً، وذلك بعد أن تدنَّت أسعار النفط إلى 70 دولاراً للبرميل، وذلك قبل أن تُعاود الصعودَ إلى 80 دولاراً نهاية الأسبوع الماضي، في ظل تذبذبات كبيرة ساهمت فيها العديدُ من العوامل والتي ستستمر في الفترة القادمة. وهو ما دفع دول «أوبك+» لاتخاذ خطوة استباقية للمحافظة على أسعار النفط عند معدلات جيدة، دعماً لأوضاعها الاقتصادية في ظل تنافس عالمي يسوده التوترُ والتجاذباتُ التي تلعب فيها القضايا الجيوسياسية دوراً محورياً يجد له انعكاساتٍ خطيرةً على الأوضاع الاقتصادية وعلى الاستقرار الاجتماعي في معظم البلدان.
والحال أن قرارَ تخفيض الإنتاج مرةً أخرى خلال ستة أشهر مثيرٌ للإعجاب ويعبّر عن تضامن دول المنظمة وتنسيق مواقفها بعد أن أصبحت مصالحُها الوطنية أكثر ترابطاً، وذلك رغم ما تبثه بعض وسائل الإعلام عن خلافات لا وجود لها بين أعضاء المجموعة في محاولة لكسر هذا التضامن القوي والذي أضحى يحدد ليس مسارات أسواق الطاقة العالمية، وإنما العديدَ من مسارات التوجهات التجارية والاقتصادية.
وتأتي أزمةُ البنوك الغربية الأخيرة في مقدمة العوامل التي نبَّهت دولَ «أوبك+» إلى العواقب التي يمكن أن تترتب على تكرار هذه الأزمة، وهو ما يتوقعه العديدُ من المراقبين، مما سينعكس على مجمل الأوضاع المالية والاقتصادية ويتسبب في جر بقية القطاعات نحو أزمات ارتدادية، بما في ذلك التأثيرات على أسواق النفط وأسعاره.
ومن جهة أخرى يتأكد يوماً بعد آخر أن الركود العالمي قادمٌ، وهو ما يعني إمكانية انخفاض الطلب على النفط واختلال العلاقة بين العرض والطلب، خصوصاً بعد أن ارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة ليصل إلى مستويات قياسية، مما يعني تدهورَ الأسعار مرةً أخرى. وفي نفس الوقت خفَّض صندوق النقد الدولي عدةَ مرات توقعاتِه لنمو الاقتصاد العالمي، كان آخرها الأسبوع الماضي، وهو ما يعني أيضاً إمكانية انخفاض الطلب وتدنّي الأسعار.
إذن هناك تحديات اقتصادية جدية، بما في ذلك المحيطة بأسواق النفط شديدة الحساسية، مما يتطلب الاستعدادَ لها للحفاظ على مصالح الدول المنتجة، فالتنافس الدولي على أشُده، وأي تأخير في اتخاذ الخطوات الاستباقية سيعرّض هذه الدولَ لخسائر جسيمة، والعكس صحيح تماماً، فالاستعداد لمثل هذه التطورات المرتقبة، والتي أشرنا إليها آنفاً، سيحافظ على هذه الصالح ويعززها.
لقد ساهم القرار الأخير في معاودة أسعار النفط الارتفاعَ مرةً أخرى بنسبة 6.5% لتصل إلى 85 دولاراً للبرميل، لتعوض بذلك الخسائرَ التي تكبدتها بسبب أزمة البنوك، حيث ذكرت شركة «بيكرينغ إنرجي بارتنرز» أن هذا القرارَ قد يرفع أسعارَ النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل، في حين ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن «التخفيضات الجديدة المفاجئة قد تدفع أسعارَ النفط نحو 100 دولار للبرميل.
ومن خلال متابعة القرارات التي اتخذتها دول «أوبك+» في السنوات القليلة الماضية يتضح تماماً أن هذه الدول عازمة على الدفاع عن مصالحها في مختلف الظروف ورغم كل الضغوط، وهو ما يعني أنه من غير المستبعد أن تلجأ المنظمة إلى تخفيضات جديدة إذا ما شهدت الأوضاعُ الماليةُ والاقتصاديةُ في العالَم المزيدَ من التدهور، في حين أنها قد تتخذ قرارات برفع الإنتاج إذا ما تم تجاوز التحديات القادمة. فدول المجموعة تتصرف بحكمة وبمرونة كبيرة لتوازن بين مصالحها الوطنية ومصالح الدول المستهلكة، وهو ما يساهم في الاستقرار والنمو الاقتصادي ويجنب الاقتصاد العالمي المزيد من الأزمات والهزات الناجمة عن المطبات الشديدة.. وهو دور لا بد من المحافظة عليه بالمزيد من التماسك والتضامن والانسجام بين دول المجموعة.
 
*خبير ومستشار اقتصادي