في فبراير 2023 نشرت مجلة «اليابان بالعربي- نيبون تايمز» تقريرًا مذهلاً حول تكنولوجيا جديدة اسمها: «Feel Tech» وهى أول تكنولوجيا في العالم لمشاركة الإحساس عن بُعد. بمقتضى هذه التكنولوجيا يرسل الشخص حركات أو أحاسيس إلى الطرف الآخر، عند هذا الطرف الثاني تتم ترجمة الأحاسيس التي تم إرسالها في اهتزازات صغيرة ودقيقة. وهكذا يستقبل الطرف الثاني - حسيًّا لا معنويًا أو رمزيًا - أحاسيس الطرف الأول!

إذا أرادت أمّ يابانية لمس ابنها الذي يعيش في أميركا.. عليها أن تبدأ مكالمة مرئية، ثم تمد يدها لملامسة ابنها.. سيتم استقبال هذه المشاعر عند ابنها، حيث ستقوم تكنولوجيا الإحساس بإعادة تكوين الشعور ونقله رقميًا، وسيشعر الابن بلمسة يد والدته في أثناء مكالمة الفيديو، وفي نفس الوقت الذي مدّت فيه الأم يدها!

يقول العلماء اليابانيون الذين ابتكروا أول تكنولوجيا في العالم لمشاركة الإحساس عن بُعد: إن الأمر سيتجاوز ذلك إلى الاستخدام التجاري.. حيث سيمكن لمس أنواع الأقمشة في الملابس، والحكم على جودتها والاختيار بينها.. كما سيتم تطبيق ذلك في مجالات عديدة، من دون الحاجة للانتقال من مكان إلى مكان للمعاينة المباشرة والحسيّة للأشياء. تبدو هذه التكنولوجيا واحدة من المقدمة القصيرة للثورة الصناعية الخامسة، حيث ما بات يُعرف باسم «حضارة السايبورغ». وهي أول حضارة شبه بشرية وشبه آلية.

يتحدث كثيرون الآن عن الاستعداد للثورة الصناعية الخامسة، حيث الدمج بين الإنسان والتكنولوجيا، والعمل المشترك بين البشر والروبوتات في سياق اجتماعي واحد. إنه عصر كل ما هو ذكي، من المنازل الذكية إلى السيارات الذكية والمدن الذكية.

سيأخذ الإنسان من صفات الآلة، وستأخذ الآلة من صفات الإنسان.. وسيكون الفصل بينهما شيئًا من الماضي، فمنذ الاستيقاظ من النوم وحتى الخلود مجددًا إليه.. ستكون كل تفاصيل الحياة في المنزل والشارع وفي كل مكان.. مرتبطة بالذكاء الاصطناعي والدعم التكنولوجي.

ربما تكون الثورة الصناعية الخامسة هي نهاية التاريخ، وربما يكون الوصف السياسي لتلك الحقبة هو الثنائية القطبية الجديدة، إنها ليست الثنائية القطبية التي كانت في زمن الحرب الباردة، بل هي القيادة الثنائية للحضارة: الإنسان والروبوت. فيما ستقدِّم تلك الثورة ما هو مثير وخيالي بشأن الحياة المترفة، والإمكانات الهائلة.. فإنها ستمثِّل خطرًا كبيرًا على طرائق الحياة على الجانب الآخر، فالوعود بشأن خلق وظائف جديدة محل الوظائف التي سيتم إلغاؤها، هي وعود لا يمكن الثقة بها، لاسيما مع الأعداد المتزايدة للسكان والحاجة إلى أعداد هائلة من الوظائف الجديدة. كما أن الاستخدام العسكري لتلك الثورة قد يُدخل العالم في أتون حروب فوضوية، هي خليط من الآلة والإنسان. حيث لا يمكن بسهولة تمييز المحاربين ولا من وراءهم، ويصعب تطبيق القانون الدولي في مواجهة الجنود الآليين الذين يحاربون بلا تمييز ويقتلون بلا قلب.

إن حضارة السايبورغ «نصف البشرية» مثل تشييد قصر منيف فوق بركان عنيف، ستبدو الأمور على ما يرام، لكن خطأ واحدًا سوف يلقي بالبشرية إلى فوهة ذلك البركان.

*كاتب مصري