أدت خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإعادة تشكيل النظام القضائي الإسرائيلي إلى إغراق البلاد في أزمة، مما نجم عنه اندلاع الاضطرابات الاجتماعية الأكثر انتشاراً منذ عقود. وأعلن نتنياهو يوم الاثنين الماضي أنه سيؤجل الإصلاح المقترح، مشيراً إلى أن هناك حاجة للتوصل إلى حل وسط لمنع «حرب أهلية». لكن بعض المتظاهرين تعهدوا بمواصلة الضغط حتى يتم سحب التشريع.

وقد أدت الخطة التي ستمنح الحكومة سلطة أكبر لاختيار القضاة، بما في ذلك أولئك الذين يترأسون محاكمة نتنياهو بشأن الفساد، إلى انقسام البلاد، خاصة تحريض الإسرائيليين الليبراليين العلمانيين ضد الفصائل المحافظة دينياً.وتسبب الإضراب الذي قام به العاملون في الجامعات والمستشفيات وشركات الطيران وأماكن أخرى يوم الاثنين الماضي في إصابة جزء كبير من الاقتصاد بالشلل.

فقد أدى المظاهرات إلى إحداث شلل في بعض المدن. وأقال نتنياهو وزير دفاعه، يوآف جالانت، وهو أيضاً عضو في حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء، بعد أن دعا الحكومة إلى وقف الخطة. إليكم ما يجب معرفته عن خطة الإصلاح القضائي والاحتجاجات. ما هو الإصلاح القضائي المقترح؟

ينبع الجدل من مشاريع قوانين عدة لتعديل «القوانين الأساسية» الإسرائيلية - المكافئة قانوناً للتعديلات الدستورية - والتي من شأنها أن تمنح أعضاء البرلمان، أو الكنيست، السيطرة على التعيينات القضائية، وإلغاء المراجعة القضائية للتشريعات، والسماح للبرلمان بالتصويت ضد قرارات المحكمة العليا. وقال «أيال جروس»، أستاذ القانون الدستوري والقانون الدولي في جامعة تل أبيب، إن هذه التغييرات تعني فعلياً «عدم وجود حدود قانونية للحكومة».

وأوضح أن «حكومة بلا حدود تقوض تماماً أي فكرة عن الديمقراطية». جدير بالذكر أنه في النظام البرلماني الإسرائيلي، يُنظر إلى المحكمة العليا على أنها الضابط الوحيد للمشرعين ورئيس الوزراء.

فالمحكمة هي التي تتلقى أحكام الاستئناف من المحاكم الدنيا وتنظر في الالتماسات المرفوعة ضد الحكومة والهيئات العامة. وألغت قوانين تستهدف اللاجئين الأوكرانيين وطالبي اللجوء الأفارقة وأجلت طرد الفلسطينيين من حي حساس في القدس. وتقول جماعات حقوقية، في حالات أخرى، إنها أيدت انتهاكات رئيسية لحقوق الفلسطينيين. ما الذي يكمن وراء هذه الخطة؟ إن نتنياهو لديه ماضٍ مريب مع القضاء. وقد عاد إلى منصبه في أواخر العام الماضي ليترأس أكثر حكومة يمينية متشددة في التاريخ.

ويضم ائتلافه قوميين دينيين كانوا يوماً ما مهمشين، ونشطاء يهوديين متطرفين، ونشطاء مستوطنين تعهدوا بدعم جهوده لقلب النظام القضائي وإسقاط التهم الموجهة إليه في محاكمته بالفساد. سيكون إنهاء الإشراف القضائي على التشريعات بمثابة فوز كبير لائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف الذي تعهد أعضاؤه بإعطاء الأولوية للطابع اليهودي لإسرائيل على طابعها الديمقراطي وضم الضفة الغربية المحتلة - الأرض التي يتصورها الفلسطينيون كجزء من دولتهم المستقبلية. كما سيمكن نتنياهو من حماية الحلفاء في ائتلافه بشكل قانوني، بما في ذلك «أرييه درعي»، زعيم حزب شاس الأرثوذكسي المتشدد.

وكانت المحكمة العليا قد أجبرت نتنياهو الشهر الماضي على إقالة درعي الذي كان يشغل منصب وزير الصحة والأمن، لأسباب منها «تراكم الإدانات الجنائية». أما نتنياهو نفسه، فقد تم اتهامه في ثلاث قضايا بإساءة استغلال منصبه الرسمي لمنح امتيازات لرجال أعمال أثرياء مقابل هدايا، والتغطية الإعلامية المواتية لعائلته.

وباعتباره أول رئيس وزراء إسرائيلي يواجه لائحة اتهام أثناء توليه منصبه، أثارت محاكمة نتنياهو أزمة سياسية مطولة جرّت البلاد إلى خمس جولات من الانتخابات في أقل من خمس سنوات. في وقت سابق من هذا العام، أرسل المدعي العام «جالي باهراف ميارا» رسالة إلى نتنياهو يأمره فيها بالنأي بنفسه عن الإصلاح القضائي المقترح بسبب تضارب المصالح الواضح. ووصف نتنياهو توجيه باهراف ميارا بأنه «غير مقبول».

وزعم نتنياهو أن خطة الإصلاح وقضاياه القانونية الشخصية منفصلة. لكن وزير العدل ياريف ليفين، عضو حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، قال أمام جلسة عامة في الكنيست في شهر يناير إن «لوائح الاتهام الثلاثة» هي التي أقنعته «بضرورة تصحيح» النظام. لماذا يشعر الكثير من الإسرائيليين بالقلق؟ يعتبر الإسرائيليون الليبراليون المحكمة العليا آخر معقل لديمقراطيتهم. لكن أعضاء ائتلاف نتنياهو يزعمون أن المحكمة مليئة بالنخب اليسارية وأنها قمعت إرادة دولة تمحورت بسرعة نحو اليمين الديني والقومي. وكانت رئيسة المحكمة العليا «إستر حايوت» حذرت في وقت سابق من هذا العام من أن النظام الخالي من الضوابط والتوازنات من شأنه أن يؤدي إلى قيام إسرائيل «تحمل اسم الديمقراطية عبثاً». 

ماذا وراء الاحتجاجات؟ بدأت الاحتجاجات منذ حوالي ثلاثة أشهر، عندما تم الإعلان عن خطة الإصلاح. ومع ذلك، أدت إقالة وزير الدفاع، جالانت، يوم الأحد الماضي، إلى موجة جديدة من الغضب العام خلال فترة العمل التشريعي الرئيسي بشأن الاقتراح. كان جالانت أول عضو في حكومة نتنياهو يخرج عن الصفوف علانية.

لقد فعل ذلك بعد تحذيره من أن خطة الإصلاح الشامل يمكن أن تخلق مشكلة أمنية لإسرائيل. وقد رفض مئات من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي التسجيل في الخدمة احتجاجاً، ووعد آخرون بالقيام بذلك إذا أصبحت مشاريع القوانين قانوناً.

وقال رئيس أركان الجيش «هيرزي هاليفي» إن جيش إسرائيل الصغير نسبياً لا يمكن أن يعمل من دون هؤلاء الاحتياط. كما أدت الإطاحة بجالانت إلى قيام أكبر نقابة عمالية في إسرائيل بإعلان إضراب عام. يمثل الاتحاد ما يقرب من 800000 شخص في العديد من القطاعات. كان التأثير فورياً تقريباً، حيث ألغى المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل جميع الرحلات المغادرة. وتدفق المتظاهرون إلى الشوارع خارج الكنيست ومكتب رئيس الوزراء والمحكمة العليا. ماذا بعد؟ أعلن نتنياهو الاثنين الماضي أنه سيؤجل تمرير التشريع.

وألغت بعض النقابات، بما فيها أكبر نقابات في إسرائيل، الإضرابات. وقال نتنياهو إنه توصل إلى القرار بموافقة غالبية أعضاء ائتلافه. فمن دون دعمهم، يمكن أن تنهار حكومته - مما يؤدي مرة أخرى إلى انتخابات قد لا يتمكن من الفوز بها. وقال ليفين، وزير العدل والمعد الرئيسي لمبادرة الإصلاح الشامل، في بيان في وقت سابق يوم الاثنين الماضي، إنه سيلتزم بأي قرار يتخذه نتنياهو، لكن التأجيل قد «يؤدي إلى سقوط الحكومة وانهيار الليكود».

وحذر وزير الأمن «إيتمار بن غفير»، وهو حليف آخر لليمين المتطرف، في تغريدة من أن نتنياهو يجب ألا «يستسلم للفوضى». على الجانب الآخر من الانقسام، قال بعض المتظاهرين إن تعليق التشريع لن ينهي الاحتجاجات. فالتشريع هو مجرد جزء واحد من نقاش أكبر بكثير - الانقسام بين الليبراليين العلمانيين في إسرائيل والجناح الأكثر تديناً ومحافظةً في البلاد الذي يدعم حكومة نتنياهو.

وجاء في بيان صادر عن «الحركة من أجل جودة السلطة في إسرائيل»، وهي منظمة غير حكومية: «يجب تنحية قوانين الانقلاب تماماً. لا أن يتم وقفها مؤقتاً، بل تنحيتها. إن تعليق التشريع يبدو وكأنه ممارسة سياسية رخيصة مصممة بالكامل لانتظار الوقت المناسب لإعادة حملة التشريعات المناهضة للديمقراطية إلى حياتنا».

شيرا روبين*

*مراسلة في واشنطن بوست في تل أبيب.

ميريام بيرجر **

**مراسلة تغطي الأخبار الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.

آدم تايلور ***

يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.

 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»