«اليوم للغد» هو شعار عام 2023 الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وقد سُئلتُ بصفتي أستاذة في الوراثة وعلم الجينوم: كيف تكون الاستدامة في هذا التخصص؟
الاستدامة في علم الجينوم تكون عن طريق البحث العلمي، فيردُّ بعضهم قائلاً إن البحث العلمي في هذا المجال يكلِّف كثيراً من المال والجهد والوقت، وإن هناك أولويات يجب التركيز عليها. وهذا ما قاله كثيرون، وحتى العلماء، عن مشروع تحليل الجينوم البشري الذي استغرق قرابة ثلاثة عشر عاماً (1990-2003) لتحليل الجينوم البشري، وكلَّف 3 مليارات دولار، بمشاركة علماء من جامعات دولية كثيرة، من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين، واليابان. وكان سبب نجاح المشروع تشارُك العلماء في المعلومات، فهل كان المشروع يستحق هذا العناء كلَّه؟
واليوم، مع تطور التقنيات في هذا المجال، أصبح بالإمكان تحليل الجينوم البشري في يومين، بتكلفة تقرُب من ألف دولار، وليس هذا فحسب، بل هناك تقنية بإمكانها تحليل الجينوم البشري خلال ساعات. وقد ساعدت تقنية تحليل الجينوم البشري في مجالات كثيرة. ومع تطور هذه التقنية، أصبح بالإمكان تشخيص الحالات سريعاً خلال أيام، بينما كانت رحلة التشخيص في الماضي تدوم سنوات كثيرة من المعاناة للمريض وأهله والطاقم الطبي. كما أثبتت الدراسات أن نسبة دقة التشخيص بالطرق التقليدية هي 11 في المئة، بينما تتجاوز 50 في المئة عن طريق فحص الجينوم.
وليس هذا فحسب، بل ساعد تحليل الجينوم على اكتشاف كثيرٍ من الجينات الجديدة، وعلى علاج المرضى في بداية المرض لتفادي المضاعفات الشديدة أو حتى الوفاة. ومع تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، هناك فرص كبرى لتحسين التشخيص الطبي والتنبؤ بالعوامل المسببة للأمراض أو تحسين الطرق الوقائية.
ومع أننا قد توصَّلنا إلى إتمام تحليل الجينوم في 31 مارس 2022، فإننا لا نعرف سوى 2 في المئة من وظائف الجينوم، وفي ذلك إدراك لقوله تعالى: (وما أُوتيتم من العلم إلا قليلاً).
إذن نحن في بداية الطريق، وأمامنا كثير من البحث العلمي لسبر أغوار الجينوم البشري الذي يمثل مستقبل الطب البشري، وهو الطب التشخيصي الدقيق، وفيه يُعالج المريض بحسب تركيبته الجينية لتحسين جودة الحياة بصورة دقيقة. ومع التطور السريع في التقنيات والعلاجات الجينية، ينبغي لنا إعداد الجيل المقبل من الأطباء وإكسابه علم الجينوم، لا سيما أنه يدخل في شتى التخصصات، وهذا ليس غريباً، فخلقة الإنسان مكتوبة في شفرته الوراثية.
أدعوكم الآن جميعاً إلى تساؤلات: هل شاركتم في البحث العلمي للجينوم؟ وهل تبرعتم ولو بدراهم قليلة في هذا المجال؟ وهل شاركتم في التطوع للبحث العلمي؟ وهل شاركتم في مشروع الإمارات للجينوم؟ هل دعمتم البحث العلمي؟ وما هي الميزانية المالية المخصصة للبحث العلمي، لا سيما في الجامعات؟ وهل هناك تعاون علمي بين الباحثين في هذا المجال في جامعات الدولة؟ وهل هناك مشاركة في البيانات والمعلومات بين الباحثين في هذا المجال؟ وهل وفَّرنا البيئة الخصبة للبحث العلمي ولجذب البحوث السريرية إلى دولتنا؟
وفي النهاية، أدعوكم جميعاً إلى العمل لتحقيق رؤية قائدنا المستقبلية للاستدامة، وإنشاء بيئة لجذب العقول والبحوث العلمية في الدولة لتحسين جودة الحياة لأجيال المستقبل.

د.فاطمة الجسمي*

*أستاذة ورئيسة قسم الوراثة وعلم الجينوم في كلية الطب والعلوم الصحية، جامعة الإمارات العربية المتحدة.