يدفع القادة الإسرائيليون مثل بنيامين نتنياهو بين الحين والآخر بادعاء باطل مفاده أن بلدهم هو الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وعلى مدى عقود، ضخّم السياسيون الأميركيون بشكل أوتوماتيكي هذا الادعاء من دون تمحيص. بل إن بعضهم، مثل الرئيس السابق باراك أوباما، ذهب أبعد من ذلك إذ أثنى على إسرائيل باعتبارها الديمقراطية الحقة الوحيدة في الشرق الأوسط.
بيد أن كلا الادعاءين يسهل دحضهما. والشاهد أن هناك ديمقراطيات أخرى في المنطقة موجودة منذ فترة أطول من فترة وجود إسرائيل كدولة حديثة. ولعل النقطة الأكثر صلة بالموضوع هي أنه على الرغم من إشادات أوباما الرئاسية، إلا أن الدولة التي تختزل 20 في المئة من سكانها في وضع مواطنين من الدرجة الثانية ليست ديمقراطية حقيقية. 
ولكن أحداث الأشهر القليلة الماضية، أظهرت أن المجتمع الإسرائيلي، المتميز عن الدولة الإسرائيلية، لديه مقومات ديمقراطية قوية. فالمظاهرات الحاشدة ضد خطة نتنياهو الرامية لتحييد النظام القضائي للبلاد كانت شعبية وسلمية ومستمرة. والآن يبدو أنها كانت مثمرة أيضاً: ففي كلمة ألقاها في أوقات ذروة المشاهدة التلفزيونية، أعلن نتنياهو أنه سيعلق جهوده الرامية إلى تمرير التشريع عبر البرلمان، قائلاً: «إنني لست مستعداً لتقسيم البلاد». 
ائتلاف نتنياهو المحافظ المتشدد الذي انتُخب في ديسمبر الماضي، كان يسعى لكبح المحكمة العليا التي قامت تاريخياً بعرقلة أهداف يمينية، مثل بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وإعفاء اليهود الأرثوذوكس المتشددين من الخدمة العسكرية. ويريد رئيس الوزراء الإسرائيلي جعل القضاء تابعاً أكثر للجهاز التنفيذي، وهو يستخدم الأغلبية الهزيلة التي يمتلكها ائتلافه لتمرير تشريعات لها آثار وتداعيات كبيرة جداً. وينص قانون تمت الموافقة عليه الأسبوع الماضي على أن الكنيسيت والمجلس الوزاري فقط يمكنهما إعلان رئيس الوزراء غير مؤهل وعزله من المنصب. (تذكر أن نتنياهو يخضع حالياً لمحاكمة بتهمة الفساد).
الاحتجاجات ضد هذه التغييرات كبرت وتوسعت خلال الأسابيع الأخيرة، جاذبة مئات الآلاف من المحتجين. وعلى نحو لا مناص منه، أثارت المظاهرات تشبيهات مع احتجاجات الربيع العربي لعام 2011، مع إشارات ضمنية إلى أن الإسرائيليين يتعلمون دروساً من آخرين في المنطقة بدلاً من أن يكونوا القدوة.
ولكن الديمقراطية، ومثلما أظهر الشرق الأوسط مراراً وتكراراً، تتعلق بأكثر من الانتخابات والاحتجاجات، ذلك أنها تتعلق أيضاً بالمؤسسات التي تقاوم الطموحات السلطوية للزعماء. وهنا أيضاً اجتازت إسرائيل بعض الاختبارات: فمن منظمات المجتمع المدني إلى نقابات الموظفين، خرجت كل أنواع المؤسسات للاحتجاج ضد خطط نتنياهو. كما أغلقت السفارات والقنصليات الإسرائيلية يوم الاثنين الماضي حين انضمت وزارة الخارجية إلى عمال حكوميين آخرين في إضراب عام. ولعل الأكثر لفتاً للانتباه هو أن قطاعات كبيرة من المؤسسة العسكرية عارضت «الإصلاحات» القضائية بشكل صريح. 
مجتمع المال والأعمال الإسرائيلي، الأقل اعتماداً على رعاية الدولة من نظيرته العربية، كان أكثر شجاعة وجرأة في رفع صوته ضد أي تعديلات من شأنها إضعاف استقلالية الجهاز القضائي في البلاد. وتشديده على أن ذلك سيكون سيئاً للأعمال والتجارة، وجد صدى قوياً له بين مؤسسات التصنيف الائتماني التي تحذّر من تأثير سلبي على الاقتصاد، إذ قالت وكالة «موديز» في تقرير لها: «إن قوة المؤشرات التي لها علاقة بالميزانية والديون قد لا تكون كافية لتعويض ضعف المؤسسات إذا كان محتوى هذه الإصلاحات القضائية وطريقة تمريرها يشيران إلى هذا الضعف»، مضيفة أن تدفقات رؤوس الأموال على قطاع التكنولوجيا الذي يُعد جزءاً أساسياً من الاقتصاد، يمكن أن تصبح هشة بشكل خاص. 
وهناك اختبارات أخرى ستأتي – لليقظة والقدرة على التحمل. فحتى في حال وضع الإصلاح القضائي جانباً في الوقت الراهن، فإن نتنياهو سيعود إليه لاحقاً على الأرجح، إما لأسباب تتعلق بحفظ الذات، أو لعرقلة كل الإجراءات القضائية بشأن اتهامات الفساد التي تواجهه، أو تحت ضغط عناصر يمينية متطرفة داخل ائتلافه الحاكم. وحين يحدث ذلك، سيتعين على المتظاهرين والمؤسسات الإسرائيلية أن تُظهر أن حماسها بشأن قضاء مستقل لم يفتر.
ولكن الاختبار الأكبر لأي ديمقراطية هو الحرية لكل المواطنين. والغائب الأكبر عن المظاهرات هم الفلسطينيون، الذين لديهم أسباب وجيهة ليشعروا بألا ناقة لهم في هذه المعركة ولا جمل. ذلك أن قلة قليلة جداً من أولئك الأفراد الإسرائيليين أو المؤسسات الإسرائيلية التي تتخذ موقفاً معارضاً للإصلاح القضائي سبق لها أن احتجت ضد المظالم التي تُرتكب في حق الفلسطينيين.
وإلى أن يتغير ذلك، لن يستطيع المجتمع الإسرائيلي ادعاء أنه يمثّل الديمقراطية «الحقيقية» أكثر من الدولة الإسرائيلية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»