ركزت الفوضى المصرفية في الأسابيع القليلة الماضية الانتباه على الجهات التنظيمية. فما يجب أن تتعلمه، وما يجب أن تفعله حيال ذلك؟ 

وأول الدروس أن الأعمال المصرفية تعتمد على الثقة. والمودعون غير المؤمن عليهم، إذا فروا عند أول بادرة مشاكل فهذا استجابة عقلانية تماماً. وغالباً ما تكون كلفة القيام بذلك ضئيلة، لكن عواقب التلكؤ قد تكون هائلة، لأنه لا يمكن لأي بنك أن يدفع للجميع دفعة واحدة. وهذا يعني أن البنوك مستقرة فقط حتى يتم التشكيك في جدواها، كما أظهر انهيار بنك سيليكون فالي. 
وثانياً، أهمية النظام المصرفي لا تتعلق بالحجم فقط. فحتى البنوك الصغيرة قد تسبب مشكلات كبيرة إذا بدت البنوك الأخرى تشبهها. وحين واجه بنك سيليكون فالي صعوبة، انتشر الذعر على الفور إلى المؤسسات ذات الملامح المماثلة، من حيث انتشار الودائع غير المؤمن عليها أو الخسائر غير المحققة في محافظ القروض والأوراق المالية. 
وثالثاً، يصعب إيقاف الذعر بمجرد أن يبدأ. فحين يرتفع مستوى عدم اليقين والمخاطر، غالباً ما يتصرف الناس بناء على ما يتوقعون أن يفعله الآخرون، بدلاً من تقييماتهم للقيمة الأساسية. وبمجرد أن تترسخ هذه الديناميكية، فإن ردها إلى السير في الاتجاه الآخر يتطلب قوة ساحقة. 
ورابعاً، تعتمد آفاق البنك على أكثر من مجرد جودة الائتمان لأصوله. فمخاطر أسعار الفائدة، وتكوين الأصول والاستحقاقات، مهمة أيضاً. وفشل بنك سيليكون فالي ليس فقط بسبب تكبده خسائر في السوق على السندات طويلة الأجل الآمنة، لكن أيضاً لأن المودعين كانوا يتركزون في الغالب في مشروعات ناشئة في شبكة ضيقة، وبالتالي من المرجح أن يفروا جماعياً. 
وخامساً، الحوافز مهمة. فمع ربط تعويضات المديرين التنفيذيين للبنك بالأرباح وبأسهم البنك، سيكونون متحمسين لتحمل مخاطر أخرى. ولم يكن بنك سيليكون فالي بحاجة حقاً إلى الاستثمار في سندات الخزانة طويلة الأجل ليكون لديه نشاط قادر على الصمود. بل كان يتوسع للحصول على عائد، ولتعزيز الأرباح وسعر السهم. 
فما يجب القيام به كوصفات علاج؟ أولاً، يتعين معالجة قضية المودعين غير المؤمن عليهم. ولنبذ فكرة أنه يمكنهم مراقبة البنوك وتوفير الانضباط في السوق. ففي الممارسة العملية، يفعلون ذلك على طرفي نقيض، إما إنهم لا يراقبون بالمرة، أو يراقبون فجأة وبشكل كامل. والتأمين عليهم لاحقاً على أساس كل حالة على حدة، كما حدث مع بنك «سيليكون فالي»، هو أمر غير عادل وتمييزي ولن يمنع الهرولة لسحب المدخرات من البنوك في المستقبل. وتأمين المودعين في وقت مبكر قد يحمل البنوك مخاطر أكبر على نطاق أوسع، وهذا يتطلب تنظيماً شديد الصرامة. وقد يكون التوازن الصحيح أكثر انتقائية مثل التركيز على البنوك التي تنوع المخاطر بشكل مناسب وتبقى ضمن حدود النمو المعقولة. 
وثانياً، إعادة الإشراف على المخاطر المنهجية في البنوك متوسطة الحجم. ففي عام 2018، رفع الكونجرس حد الأصول من أجل تنظيم أكثر صرامة لرأس المال والسيولة، من 50 مليار دولار إلى 250 مليار دولار. ويجب التراجع عن هذا. وبخلاف هذا، لدى الاحتياطي الاتحادي القدرة على تمديد النظام المعزز الذي يتضمن اختبارات ضغط من حين لآخر، وصولاً إلى البنوك التي تزيد أصولها على 100 مليار دولار. ويجب أن تفعل ذلك. 
وثالثاً، تفادي حالات الذعر من خلال جعل تسهيلات الملاذ الأخير التي يقدمها البنك المركزي متاحة دائماً ويسهل الوصول إليها. وقد يساعد في هذا الخدمات المصرفية الثابتة حسنة السمعة. وبوسع المرء في هذا الصدد تخيل نظام اشترت فيه البنوك تأمين السيولة من الاحتياطي الاتحادي. وهذا من شأنه أن يقلص مخاوف المخاطر الأدبية، البنك المركزي سيكون تم تعويضه سلفاً بدلاً من توفير شيء ما مجاناً. وكذلك، فالدعم الموثوق به من شأنه أن يقلص حوافز المودعين للفرار عند ظهور أول لافتة متاعب. 
ورابعاً، إيلاء مزيد من الاهتمام لمخاطر أسعار الفائدة، وعدم التوافق الأساسي بين أصول البنوك طويلة الأجل والاستحقاقات قصيرة الأجل. وسيكون تقييم هشاشة الودائع أمراً صعباً، لكن بالتأكيد يجب تقييمها بشكل مختلف إذا كانت تتجاوز بكثير احتياجات العمل النمطية للعملاء. ويجب أن يكون التحليل شاملاً. وقد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى خسائر ملحوظة في السوق على السندات طويلة الأجل، لكن يمكنه أيضاً تعزيز هوامش الفائدة الصافية للبنوك وقيمة ودائع التجزئة الخاصة بهم، ويعتبر بنك «سيليكون فالي» استثناء ملحوظاً. 


بيل دادلي

الرئيس السابق للبنك الاحتياطي الاتحادي في نيويورك

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»