لعلها المرة الأولى التي يُحتفل فيها بقدوم شهر رمضان الكريم في الفضاء الخارجي. ويعود الفضلُ في ذلك إلى برنامج دولة الإمارات الفضائي المتقدم الذي أتاح نجاحُه إشراك سلطان النيادي في المهمة الراهنة التي تقوم بها محطة الفضاء الدولية.
احتفل النيادي بقدوم رمضان المبارك، ووّجه رسالةً من موقعه في الفضاء تمنَّى فيها الخيرَ والبركةَ للجميع، وأرفق بها مشاهدَ ليلية جميلة للأرض مُلتقطةً من الفضاء. والنيادي عضو في طاقم يضم أربعةَ رواد فضاء عالميين وصلوا إلى محطة الفضاء الدولية في الثاني من مارس الجاري. وفي هذا الطاقم «كرو 6»، رائدَا فضاء أميركيان وواحد روسي مع الرائد الإماراتي. وهذا هو العمل الوحيد الذي يشارك فيه أميركيون وروس معاً منذ نشوب حرب أوكرانيا العام الماضي، الأمر الذي يُضفي عليه أهميةً خاصة تزيدها مشاركة الرائد الإماراتي سلطان النيادي. وستستمر مهمةُ هذا الطاقم حتى سبتمبر المقبل. وهي فترة طويلة في تاريخ مهام هذه المحطة التي أُنشئت في آخر القرن الماضي، لتكون مختبراً بالغَ الحداثة لأبحاث الفضاء، إذ تدور حول الأرض في نحو 93 دقيقة فقط، وتكمل بالتالي أكثر من 15 دورة في اليوم الواحد.
والنيادي ليس أول إماراتي يشارك في مهمةٍ من هذا النوع، إذ سبقه هزاع المنصوري في سبتمبر 2019، وقد حقّق نجاحاً أكد جدارةَ رواد الفضاء الإماراتيين وأهمية مشاركتهم في الجهود الدولية لاستكشاف الفضاء. لكن مهمة «كرو 6» الراهنة أكبر من كل ما سبقها، إذ تشمل إجراء عدد كبير من التجارب العلمية الجديدة، ومن أهمها تجارب على نمو الخلايا البشرية في الفضاء، وأخرى على فرص التحكم في المواد القابلة للاحتراق في أجواء تكون الجاذبية فيها معدومة أو متناهية الصغر.
ونظراً للأهمية الخاصة لهذه المهمة، فهي تؤكد مجدداً الدورَ الريادي لدولة الإمارات في نقل العرب إلى عالم الفضاء الخارجي وعلومه وأبحاثه وتجاربه، بفضل اهتمام قيادتها الكبير والمستمر بهذا العالَم الذي أصبح قاطرةً للتقدم بوجه عام. فقد صارت الأبحاث التي تُجرى في إطاره من أهم مصادر التراكم العلمي والمعرفي الضروري لهذا التقدم، إذ يتطلب إنجازها بناءَ قواعد علمية ضخمة في علوم عدة، مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات، فضلاً عن علوم الاتصالات بطبيعة الحال. وهذه تحديداً هي العلوم التي يعتمد العملُ لتحقيق التقدم والارتقاء في عصرنا على التراكم المستمر في معارفها. 
وقد عبَّر النيادي عن مدى اهتمام قيادة دولة الإمارات بعالَم الفضاء الخارجي في مقطع فيديو بثَّه من على متن المحطة، وجّه فيه سلاماً إلى «كل مَن حمل طموحَ زايد في قلبه، وأدارَ نظرَه نحو الفضاء فأصبح الحلُم حقيقةً، والمسيرة مستمرة». وهذا تعبير دقيق عن واقع الحال في إنجازٍ عالمي مشهود له، ويفخر به العرب في كل بلادهم، وحيثما وُجِدوا خارجها.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية