تختلف أسباب لجوء الإنسان للعنف والحرب سعياً للخلاص من كبريات مشكلاته وتحدياته، رغم أن الإنسان بطبيعته يتوق للسلام والاطمئنان حتى في أصعب ظروفه. وفي حين يتدافع الحديث عن تفعيل القيم الإنسانية، وتثبيت السلوك الأخلاقي تصدياً لكل ما يناقضه، فإن الحديث عن الجانب الأخلاقي قد يبدو خجولاً ومتردداً عند اقترابه من مجالات السياسة، رغم صلته القوية بتحقيق «الرفاه الأخلاقي» في شتى المجالات المعاشة على أرض الواقع، ورغم توافقه مع التشريع السياسي غالباً. ورغم اتجاه العديد من العقول للفصل بين الأخلاق والسياسة، ولإدراك الحروب والأزمات بوصفها مناقضة لوجود المبادئ الأخلاقية، فإن «الأخلاق ليست شيئاً غامضاً أو غير عقلاني، بل هي تُقدم الإرشادات الضرورية حول كيفية ازدهارنا كبشر وكيف يمكننا نشر الرفاهية ومنع المعاناة»، كما يقول الكاتب البريطاني ديفيد فيشر في مؤلَّفه «الأخلاقيات والحرب». 
وربما أقوى دوافع التفكير في توفير فسحة من الأمن الحقيقي، في شتى نقاط التوتر الملامسة للواقع الإنساني، هي تلك الناتجة عن صور المأساة المتولدة عن النزاعات والحروب، من قتل وجروح ودمار للبنى التحتية. ومنه فإن الحديث عن تأسيس أرضية أخلاقية في وقت النزاع والصراع يتطلب الكثير من الإعداد النفسي والبدني والإجرائي، تماماً كما يحتاج إعداد كادر تدريسي محترف أو تجهيز عتاد عسكري متمكن، لا سيما أن هناك «فورات» سلوكية لا يمكن كبحها بسهولة أثناء وجود الإنسان داخل نطاق خارج عن الجو المعتاد لطمأنينته. 
النجاح في بناء منظومة أخلاقية وسياسية خلال أوقات الحروب والطوارئ يتوقف على جود نجاحات متراكمة في السياق التربوي والأخلاقي والاقتصادي والسياسي، وهي ضرورة ذات امتداد تاريخي شعر به الإنسان، وأمر بمراعاته الخالق سبحانه وتعالى ووصى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في النهي وقت الحرب عن قطع الأشجار، وعن الاعتداء على الأبرياء المدنيين وعن التعدي على المسالمين ودور العبادة وعن استهداف الأطفال والنساء وكبار السن. 
وبصوت الواقع فإن أثر الأسلحة الفتاكة على الإنسان والبيئة يشبه معاقبةَ الآخر بجلد الذات، لاسيما أن التنمية البشرية وديمومة البيئة الصالحة للعيش عوامل ترابطية وتشاركية لا تعرف حدوداً إقليميةً، وبالتالي فلا بد من تحقيق الالتزام الأدبي تجاه الآخر وقت النزاعات، وتأطير منهجية للتعامل مع مكونات البيئة، بالإضافة لضرورة غرس ثقافة ذات صلة بالإدارة السياسية العسكرية ترسّخ مبدأ احترام ممتلكات الإنسان العامة التشاركية، والابتعاد عن «تقزيم الحقائق» من أجل استغلال المشتركات لمصالح اقتصادية أو سياسية. ويتطلب الأمرُ تخصيصَ برامج «تربوية للأخلاق السياسية» تهتم بتنمية الحس الأخلاقي السامي، وصولاً لبيئة أخلاقية عالمية واضحة المعالم والحدود، مجتمعةً تحت مظلة تشريعية من قبل المجتمع الدولي. 
إن الخروج من ذروة القلق إلى نعيم الطمأنينة في الحقل السياسي الذي يبدو الأكثر جديةً وتعقيداً لا يدخل في حيز المستحيل، لا سيما بوعي ما يترتب عليه من مصالح إنسانية متداخلة، ومن نقطة الوعي بذلك يمكن التفوق على الأطروحات المؤمنة بأنه «لا أخلاق في السياسة ولا سياسة في الأخلاق»، وبالتحديد عن موازاتها بالتوجهات الجديدة لبعض الدول التي تنبهت للجانب القيمي الذي تنبني عليه تنمية رأس المال الإنساني، فإذا كان العلم من دون ضمير خراباً للروح، فإن «السياسة بلا أخلاق خراب للإنسانية»، كما يقول القاضي الفرنسي لويس بورال. 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة