دعا رئيس «تيار الحكمة»، و«المجلس الأعلى الإسلامي» سابقاً، إلى الوطنيَّة الشِّيعيِّة، في «مؤتمر الآفاق المستقبليَّة لأتباع آل البيت» يوم 4 فبراير 2023: «بدأنا بطرح وبلورة مشروع شيعي عام، متاح لجميع أتباع أهل البيت، للمشاركة فيه، وإنضاجه تحت عنوان الوطنية الشِّيعية، مستندين في ذلك إلى تاريخ طويل من المواقف والأفكار والإرشادات، الصَّادرة عن النَّبي والأئمة الأطهار، مروراً بحركة الفقهاء على طول التَّاريخ بعد الغيبة الكبرى، وصولاً إلى مدرسة النَّجف الأشرف، بوصفها محوراً مركزياً وأصيلاً لهذا المشروع، وطرحنا معالمه العامة...». نرى بهذا الكلام العائم، قفز الدَّاعي إلى الوطنيَّة الشِّيعيَّة على العشرين سنةً مِن ممارسة السُّلطة، تحولت خلالها ساحات وحدائق عِقر دار الشِّيعة (النَّجف) إلى أضرحة ومصالح أُسريَّة! 
قبل «الوطَّنيَّة الشِّيعيّة» ظهر: «إعلان الشِّيَّعة» (20/6/2002)، وبعد 2003 «البيت الشِّيعيّ»، «المجلس الشِّيعيّ»، «الائتلاف الشِّيعيّ»(مجازاً الوطنيّ)، وتداول مصطلح «المثقف الشَّيعيّ»، والتّنسيق بما عُرف بـ«الكاثوليكيَّة والشّيعة»، وكأن المعبرين عن أنفسهم بقادة الشِّيعة ومثقفيهم، يرسمون لوطنٍ بديلٍ عن العِراق، عَبر عنه أحد أصحاب عمائم العنف بـ«البدر الشِّيعيّ»، ولا أرى اختلافاً بينه وبين «الوطنيّة الشِّيعية». 
لكنْ ما يبرر العجب والعتب، أنَّ لا الموقعين على «إعلان الشِّيعة»، ولا مؤسسي «البيت الشِّيعيّ»، قد نظروا إلى معاناة الشِّيعة بجنوب العراق ووسطه، قُتل مِن شبابهم نحو ثمانمائةٍ، علانيةً بسلاح شيعيّ صِرف، والخطف والاغتيال جارٍ على كلّ شيعيّ ردد شعار «نريد وطناً». إذن، ما معنى إعلان الشِّيعة، وبيت الشِّيعة، و«الوطنيَّة الشِّيعيّة»، وسواد الشّيعة أسرى أوهام المظلومية، التي تدر ذهباً وفضةً لأصحاب الدَّعوات؟ّ! 
يُفهم مِن خطاب الحكيم، وخطابات أمناء الأحزاب وأمراء الميليشيات، أنَّ حدودَ الوطنيَّة العِراقيَّة عُميت، التي مِن غابر التَّاريخ تُسمى بالنِّهايات، وحُددت بما عليه العِراق، فالدَّعوة إلى وطن شيعيّ، يسرُ بقية أمراء الطَّوائف، لأنَّ التركيز على الطَّائفة والقوميَّة يمنح نفوذاً، ويدر فساداً أكثر. 
أمَّا تبرير تلك العناوين أنّها لصالح العراق، فـ«خُرافةٌ يا أمّ عَمر»(الخوارزميّ، الأمثال المولدة). فما للوطنيَّة والطَّائفة! هل المطلوب تحقيق شعار «يا شيعة العالم اتحدوا»! على حِساب أوطانهم؟ وهنا يُعطى الحقّ لمواجهة الشِّيعة في أوطانهم، لأنّهم يغدون وقوداً لوهم «الوطنية الشيعيَّة»، بعد تفتيت الأوطان ذات الجغرافيات الثَّوابت! هذا ما حذر منه الشّيخ محمَّد مهدي شمس الدِّين(ت: 2001)، وهو يرى لبنان تتمزق بجماعات لا تشبه لبنان. 
صرح شمس الدِّين، على فراش الموت، وتلك أصدق اللَّحظات: «أوصي أبنائي وإخواني الشِّيعة الإماميَّة، في كلِّ وطنٍ مِن أوطانهم، وفي كلِّ مجتمعٍ مِن مجتمعاتهم، أنْ يدمجوا أنفسهم في أقوامهم، وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأنّ لا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأنْ لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً» (الوصايا). هذا، ودعوة الشِّيعيَّة الوطنيّة آخر الاختراعات وليست الأخيرة. 
يقول شمس الدِّين الذَّهبيّ(ت: 774هج): «رأَيتُ للأشعرِيّ كلمَةً أَعجبتَني»، راوياً عن أحدهم: «لمَّا قَرُبَ حُضورُ أَجل أَبِي الحَسنِ الأَشعرِيِّ فِي دَارِي ببغْدَادَ، دعَانِي فأتَيتُه، فَقَالَ: اشهدْ عليَّ أَنِّي لاَ أَكفِّر أَحداً مِن أَهلِ القِبلة، لأَنَّ الكلَّ يُشيرونَ إِلَى معبودٍ واحِد، وإِنَّمَا هَذَا كُلُّه اخْتِلاَف العِبَارَات»(سير أعلام النُّبلاء). كذلك شمس الدِّين كان صادقاً. 
أمّا الإعلان، البيت، الكاثوليكيَّة والشِّيعيَّة، المثقف الشِّيعيّ، فتلك ستذهب بالعِراق وشيعته ذهاب أمّ عمر «لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو/فلا رجعت ولا رجع الحمارُ»(الأبشيهي، المستطرف). 
يا أصحاب الدَّعوات، ستتحملون خطيئةً تاريخيّةً بحقّ العراق، وحقّ الشّيعة أنفسهم. فبعد عشرين سنةً مِن النُّفوذ المطلق «إنَّ ما وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا»(الميدانيّ، مجمع الأمثال)، وهو قطع رأس العِراق، الذي يأمن الجميعَ مِن خوفٍ ويشبعهم مِن جوعٍ، لو صار الانتماء له صدقاً لا كَذباً. 

* كاتب عراقي