ما الذي تريد أن تصل إليه بريطانيا حينما قررت حظر برنامج «تيك توك»؟ وهل تأتي هذه الخطوة امتداداً لما قامت به الولايات المتحدة الأميركية وكندا وعدد من الدول الأوروبية؟ وبدا واضحاً أنه خلال العامين الماضيين لم يتوقف الصراع بين ملاك ومؤسسي شركات وسائل التواصل الاجتماعي، فالأمر ليس مجرد برنامج أوتطبيق، إنما قيمة فاعلة في مختلف بقاع العالم، هذه البرامج تدر مبالغ بالمليارات، فليس من السهولة التساهل في التعامل مع هذه التطبيقات التي تلقى رواجاً هائلاً حول العالم. 

بالنسبة لي أنا أعتبرها «حرباً تقنية»، والهدف منها الاستفادة المالية، مستخدمو التطبيقات لا يهمهم ما الذي يحدث بين الكواليس وبين أباطرة البرامج والتطبيقات والصراعات الخفية أو حتى الواضحة للعلن، وهي تصل أحياناً إلى أبعد ما يمكن من شدة الصراع. 
أنا متأكدة من انزعاج الجمهور من هذا القرار وربما لا يتخيل أحد على سبيل المثال من دول العالم الثالث، أن دولاً من العالم الأول التي ترى نفسها الأكثر تحضراً وتحرراً وليبرالية تمنع تطبيقاً لأنها تعتقد أنه من الممكن أن يسبب لها أضراراً. ولو علموا أن معظم العاملين في مجال التمثيل بسبب بطالة الكثيرين منهم، يستغلون شهرة هذا التطبيق أو ذاك، فتجدهم 24 ساعة ملتصقين به أكثر أحياناً من الجمهور.
ونظراً لأن أسرتي تتضمن أعداداً كبيرة من الأطفال من جميع الأعمار، فكنت أتتبع فرحتهم بهذا التطبيق تحديداً، بل إنهم يفهمون تفاصيل لا أحد يتخيل أن تكون هناك طفلة في الثامنة أو العاشرة من عمرها، تفهم جميع تفاصيل «تيك توك». والغريب فعلياً ومؤكد بالدراسات الاجتماعية أن معظم الأطفال لديهم إدمان على الإنترنت يحتاج إلى علاج، فهم يمتلكون رغبة في إظهار مواهبهم والتنافس مع الآخرين، ولذلك يبدو «تيك توك» جاذباً لهم، حيث يضخ في جيوب مشاهير الأموال التي تأتي من الجمهور المعجب بأحدهم.
في النهاية بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرهما، أكدوا على أن البرنامج حساس للغاية وأنه يمكنه للوصول إلى معلومات في غاية الأهمية، لكنهم نسوا أن هناك برامج عديدة يمكنها بالفعل الوصول إلى المعلومات الخاصة للأفراد والحصول على تفاصيل حياتهم واهتماماتهم، ولكن يبدو أن الدول سالفة الذكر ستقوم بشكل عام برفض «تيك توك»، نكاية في الصين. 
وفي معرض حديثه قال وزير الدولة أوليفر دودن، الذي تشمل حقيبته الأمن السيبراني، أمام البرلمان: «سنحظر استخدام تيك توك على الأجهزة الحكومية»، هنا لربما أتفق معه بشكل كبير، لكن عليه في المقابل حظر الإنستغرام وتويتر وسناب شاب، فوزير الدولة يتهم منتقدو «تيك توك»، الذي يتيح مشاركة مقاطع فيديو قصيرة، ويحظى بشعبية كبيرة بين الشباب، بأنَّه يمنح السلطات الصينية إمكانية الوصول إلى بيانات المستخدمين في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي ينفيه التطبيق.
وقال الوزير البريطاني إنَّ الأمر يتعلّق بإجراء «وقائي»، مضيفاً: أننا نعرف أنَّ هناك بالفعل استخداماً محدوداً لتيك توك في إطار الحكومة، لكن الأمر عبارة عن نظافة إلكترونية جيّدة... نظراً للمخاطر الخاصّة المتعلقة بالأجهزة الحكومية التي قد تحوي معلومات حسّاسة، ومن الحكمة ومن المناسب تقييد استخدام تطبيقات معينة.». 

وكانت الصين قد حثّت الولايات المتحدة على وقف «الهجمات غير المبرّرة» على «تيك توك»، بعدما طلبت الحكومة الأميركية من الشركة الأم الصينية «بايت دانس» التخلّي عن أسهمها في التطبيق، أو مواجهة حظر لأسباب تتعلَّق بالأمن القومي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وينبين، إنَّ واشنطن «لم تقدّم حتى الآن أدلّة على أنَّ (تيك توك) يهدّد الأمن القومي للولايات المتحدة»، وربما «وينبين» يأمل بذلك، على عكس بريطانيا التي تريد اليوم قبل الغد وقف التطبيق.
* كاتبة وروائية سعودية