دُعي وفد صغير من الأميركيين العرب للقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اليوم السابق لزيارته لمصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية. وجاء لقاؤنا في أعقاب يومين مأساويين في إسرائيل/فلسطين. ففي يوم 26 يناير، قُتل عشرة فلسطينيين خلال غارة إسرائيلية سرية على جنين. وأدت المداهمات الإسرائيلية ليلاً للتجمعات الفلسطينية المكتظة بالسكان إلى مقتل نحو ثلاثين شخصاً حتى الآن هذا العام.

وهذه المداهمات وعمليات القتل، وجولة جديدة من الطرد الجماعي وتزايد عنف المستوطنين، تركت الفلسطينيين في حالة من الغضب واليأس من حدوث أي تحسن في حياتهم. وفي اليوم التالي، قتل مسلح فلسطيني منفرد ثمانية إسرائيليين عائدين إلى منزلهم من معبدهم اليهودي في مستوطنة شرقي القدس. وكانت عمليتا القتل الجماعي مؤسفة، لكن التنبؤ بها كان ممكناً في ظل المأساة الدائرة هناك. وهناك مخاوف من أن العنف قد يخرج عن نطاق السيطرة، والغليان مازال مكبوتاً.

فالعناصر المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية ربما ترغب في تفاقم الأمور بمزيد من العنف، ونتنياهو كثف الإجراءات القمعية بما في ذلك: إغلاق منازل المهاجمين الفلسطينيين واعتقال أو طرد أفراد عائلاتهم وأصدقائهم أو الجمع بين الطرد والاعتقال، وإرسال مزيد من القوات الإسرائيلية إلى الأراضي المحتلة، وتوزيع مزيد من الأسلحة للمستوطنين. وفي المقابل، أدانت السلطة الفلسطينية مداهمات جنين وقالت إنها ستوقف التعاون الأمني مع إسرائيل، لكن السلطة الفلسطينية وحماس مهتمتان بتهدئة الأمور أكثر من تسريع عجلة العنف. وحين اجتمعنا بالوزير بلينكن في ظل هذه الأجواء المتوترة، أعربنا عن مخاوفنا مثل قبول إسرائيل في برنامج الإعفاء من التأشيرة الأميركية دون ضمان معاملة بالمثل واحترام حق العرب الأميركيين في السفر دون مضايقات.

ومن المخاوف التي عبرنا عنها أيضاً وجود خطط لبناء سفارة أميركية على أرض يملكها فلسطينيون في القدس، وتعريف وزارة الخارجية لمعاداة السامية الذي يتضمن النقد المشروع لإسرائيل.

وحاولت أن أضع الأحداث الأخيرة في سياق عقود من السياسات الأميركية الفاشلة التي فاقمت عدم التكافؤ الحالي في القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فحين لا توافق الولايات المتحدة على أفعال الفلسطينيين، فإنها تنتقدهم أو تعاقبهم. لكن حين تتصرف إسرائيل بما يتعارض مع القانون الدولي أو سياساتنا الخاصة، فإن استجابتنا، إذا استجبنا أصلاً، تكون على استحياء من خلال البيانات الخاصة أو البيانات العامة التي تعبر عن القلق. ولأن الإسرائيليين يعلمون أنهم بمنأى عن العقاب، فإنهم يواصلون المضي قدماً أو يتمهلون حتى تهدأ الأمور. وكانت النتائج مدمرة على مستويات كثيرة.

لقد جعلنا إسرائيل تنحرف نحو أقصى اليمين وأضعفنا قوى السلام الإسرائيلية ،  وأصبح حل الدولتين مستحيلاً، فقد بددنا مصداقية المعتدلين الفلسطينيين الذين وقعوا اتفاقيات أوسلو، وقوينا شوكة المتشددين الفلسطينيين ودعاة العنف باعتباره السبيل الوحيد للمضي قدماً. وتعبير الولايات المتحدة عن القلق بشأن جهود نتنياهو للعصف بديمقراطية إسرائيل ليست كافياً، إذا التزمنا الصمت بشأن استجاباته المقترحة على الهجوم الإرهابي الأخير التي من بينها هدم المنازل والطرد، وهي تمثل انتهاكات واضحة للقانون الدولي. وتعبير الولايات المتحدة عن دعم حل الدولتين و«القيمة المتساوية للإسرائيليين والفلسطينيين» غير كاف، في وقت لم يعد حل الدولتين ممكناً.

وصمت الولايات المتحدة أمام الأعمال الإسرائيلية يثبت أننا لن ندافع عن حقوق الفلسطينيين ولن نحترم إنسانيتهم. وكي نحفر طريقاً للخروج من هذه الوهدة التي أصبحنا فيها ونغير توجه الحفر الدائم لأسفل، اقترحت على بلينكن أن يغير مسار الولايات المتحدة. فيجب أن تكون هناك عواقب للسياسات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي وتثير العنف، وأن نوضح بجلاء أن أي مزيد من التوسع الاستيطاني وهدم المنازل والطرد سيؤدي إلى عواقب مباشرة في المساعدات والدعم السياسي. والتغيير لن يأتي بين عشية وضحاها.

لكن مثل هذه الإجراءات ستنقل رسالة إلى اليمين الإسرائيلي مفادها أن إفلاتهم من العقاب على مدى عقود قد انتهى، وتقوية القوات في إسرائيل التي تدعم إنهاء الاحتلال، وتعطي الأمل للفلسطينيين في أن لديهم دعماً أميركياً، وتفتح الباب أمام احتمالات جديدة. لقد استغرق وصولنا إلى قاع هذه الحفرة التي نحن فيها جميعاً عقوداً. وحالياً هو الوقت المثالي لوقف الحفر وردم ما حفرناه. وإذا لم نفعل ذلك، فسيستمر العنف والقمع، ولن نلوم سوى تقاعسنا.

*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن