ترتكز العقوبات الدولية على مجالين أساسيين، هما الاقتصاد والسياسة كأهم دعامتين لقيام الدول واستمرارها أو تراجعها وانهيارها. وتعطيل هاتين الدعامتين كفيل بتعطيل كافة جوانب الحياة في أي دولة. وتعد العقوبات الاقتصادية ضد أي دولة خياراً بديلاً حين لا يكون خيار التدخل العسكري متاحاً، وهي لا تخص الدول والكيانات السياسية فحسب، بل قد تشمل أفراداً وقطاعات لأغراض سياسية أو أمنية. وقد تتخطى ذلك لتعطيل الاقتصاد في بلد بأكمله ووقف نشاطه التجاري وقطع تبادلاته التجارية واستثماراته، كما حدث في كوبا، وفي العراق بداية من مطلع التسعينيات. وقد أدت العقوبات في العراق على الخصوص إلى كوارث اقتصادية وبشرية لا تزال البلاد تدفع ثمناً باهظاً جرّاءها حتى يومنا هذا. وربما كان العراق استثناءً عندما تعرّض للعقوبات الاقتصادية وللتدخل العسكري معاً.
مجلس الأمن الدولي هو الهيئة المخولة من قبل الأمم المتحدة بفرض العقوبات ورفعها على أي كيان سياسي أو دولي مارق أو متجاوز للاتفاقيات الدولية التي تكفل أمن العالَم ومواثيق الحدود الجغرافية ومرجعياتها الحقوقية كوسيلة من وسائل مواجهة التحديات العالمية. ولإقرار العقوبات فإن مجلس الأمن يحتاج إلى موافقة بأغلبية الدول الأعضاء (وهي 15 دولة، منها 5 دول دائمة العضوية هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا)، ويشترط ألا تستخدم أية دولة من هذه الدول الخمس حق النقض (الفيتو)، وتتخذ العقوبات أشكالاً متعددة كفرض القيود على حركة رؤوس الأموال وتخفيض المساعدات وحظر التبادل التجاري وحظر شراء الأسلحة.. هذا بالنسبة للدول، أما بالنسبة للأفراد فإن أكثرها شيوعاً هو تجميد الأصول وحظر السفر والإدراج على القوائم السوداء. 

وتُستخدم العقوباتُ كمسار وسط بين الحرب والدبلوماسية لتحقيق مجوعة من الأهداف، مثل مكافحة المخدرات وحظر الأسلحة التي تهدد السلم العالمي وتعرقل حل الصراعات. وقبل عام 1990 كان استخدام العقوبات يكاد يكون غائباً، فلم يفرض مجلسُ الأمن عقوباتٍ سوى على بلدين فقط هما رودسيا الجنوبية في عام 1966، وجنوب أفريقيا في عام 1977، لكن منذ ذلك الحين استخدم المجلس سلاح العقوبات في أكثر من 20 مرة.
وتستخدم الولاياتُ المتحدةُ العقوباتِ الاقتصاديةَ أكثرَ من أي بلد آخر، والرئيس هو مَن يقرها بإصدار أمر تنفيذي يعلن به حالة طوارئ وطنية لمواجهة أي تهديد أجنبي، كانتشار سلاح نووي أو بيولوجي أو أية مهددات أخرى للأمن القومي. ويمنح الوضعُ الطارئُ صلاحياتٍ خاصةً للرئيس لتنظيم حركة التجارة لفترة تصل إلى 12 شهراً، إن لم يأمر هو أو الكونجرس بتجديدها. وأغلب حالات الطوارئ المعلنة منذ قرر الكونجرس وضع قيود على مدتها في عام 1976 لا تزال ساريةً حتى اليوم، ومنها الأمر الأول الذي أصدره الرئيس السابق جيمي كارتر بشأن إيران في عام 1979، ويملك الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب صلاحية إقرار عقوبات جديدة أو التعديل على عقوبات قائمة. وقد أقر الكونجرس مشروعَ قانون يضيف العقوبات المفروضة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وقد وقع الرئيس السابق دونالد ترامب على القانون عام 2017، ويوجد في الوقت الحالي 26 برنامج عقوبات أميركياً تشرف عليه وزارة الخزانة الأميركية.
العقوبات الدولية على دولة مارقة على النسق الأمني العالمي هي مسار عدلي جيد إذا أُجيد استخدامُه، لكن حين يتجاوز الأمر إطارَ الأمن إلى التنافسية ويصبح الهدف وضع العراقيل والتحديات، وفرض الضغوطات والتلويح بالعقوبات لإذلال الدول وعزلها عالمياً واقتصادياً وتجويع شعوبها، فإن ذلك سلوك هو الآخر يحتاج إلى عقوبات!

*كاتبة سعودية