مع انتصاف الشهر الأول من السنة الجديدة، توالت إعلانات نتائج البنوك الخليجية لتؤكد التوقعات الخاصة بتحقيق نتائج جيدة في عام 2022 بفعل تداخل العديد من العوامل التي ساعدت في الوصول لهذه النتائج والتي سنتطرق لأهمها، فأولاً توالت في العام الماضي قراراتُ رفْع أسعار الفائدة لتصل إلى 4.5%، وهو ما وفّر للبنوك مداخيل إضافية كبيرة، وذلك على الرغم من أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يحد من عملية الاقتراض الناجم عن تكلفة الإقراض، إلا أنها في نفس الوقت تساهم في زيادة العائدات من إجمالي حجم الائتمان المقدَّم لمختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والقروض الشخصية.
وثانياً: ساهم ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي عائداته في رفد السيولة المحلية بمبالغ كبيرة، سواء من خلال زيادة الإنفاق أو زيادة ودائع الحكومات، كما وجد جزء من السيولة طريقَه للبنوك المحلية، في حين استثمر الجزءُ الآخر في مشاريع وسندات وأسهم واستثمارات خارجية. أما ثالثاً، فقد استقطبت البنوكُ الخليجيةُ رؤوسَ أموال وودائع كبيرة من الخارج انتقالاً من مناطق في العالَم بعضها يعاني توتراتٍ وحروباً، وهو ما وفّر للمصارف الخليجية سيولةً نقديةً كبيرةً أتاحت لها التوسع في أنشطتها التمويلية وزيادة عائداتها. ورابعاً، فقد كان لتجاوز تداعيات جائحة كورونا بصورة كاملة تقريباً، وعودة أنشطة رئيسية للعمل بكامل طاقتها التشغيلية تقريباً، كقطاع الطيران والمواصلات وتجارة التجزئة والسياحة والخدمات دور كبير في زيادة الطلب على الائتمان والتوسع في القروض الممنوحة لهذه الأنشطة، إذ يمكن توضيح حجم وقوة أداء البنوك الخليجية في العام الماضي استناداً إلى النتائج الجيدة والقياسية والتي تم التنويه إلى إمكانية تحقيقها سابقاً، إذ تمكن الإشارة إلى نتائج أكبر البنوك الإماراتية، حيث حقق «أبوظبي الأول» أرباحاً بقيمة 13.4 مليار درهم وبنسبة ارتفاع تبلغ 7% مقارنةً بعام 2021 واعتمد توزيعاتٍ بنسبة 52%.
وفي دبي واصل «بنك الإمارات دبي الوطني» تحقيقَ نتائج ممتازة، حيث ارتفعت أرباحه بنسبة 40% خلال العام الماضي، مقارنةً بعام 2021، كما قرر اعتماد توزيعات بنسبة 60% بعد أن ارتفعت أرباحه السنوية إلى 13 مليار درهم، حيث شكل الرُّبع الأخير من العام أهميةً خاصةً في أداء البنوك.
وفي المملكة العربية السعودية ارتفعت أرباح «مصرف الراجحي»، وهو ثاني أكبر بنك بالمملكة بنسبة 16.6% لتصل إلى 17.15 مليار ريال سعودي، مقابل 14.7 مليار ريال عام 2021. أما في الكويت فقد قفزت أرباح «بنك الكويت الوطني» بنسبة كبيرة بلغت 40% لتصل إلى 509 ملايين دينار كويتي، مقابل 362 مليون دينار في العام السابق. وفي قطر ارتفعت أرباح «بنك قطر الوطني» بنسبة 9% إلى 14.4 مليار ريال قطري، مقابل 13.2 مليار ريال في عام 2021. ويتوقع أن يتناسق أداء البنوك البحرينية والعمانية مع أداء بقية البنوك الخليجية التي أشرنا إليها.
وهنا لا يمكن تجنب بعض العوامل التي أثَّرت وستؤثّر على أداء وتوزيعات البنوك في الفترة القادمة، أي تلك الخاصة بالقروض المتعثرة والمشكوك في تحصيلها والتي نجمت عن تعثر العديد من المؤسسات وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه البنوك في دول المجلس، علماً بأن بعضَ هذه البنوك تمكّنت من تخفيض هذه المخصصات في العام الماضي بنسبة كبيرة، حيث خفَّضها «بنكُ الكويت الوطني» بنسبة 67%، إلا أنها لا تزال تشكل ثقلاً على البنوك الخليجية بشكل عام. ومع ذلك يتوقع أن تستمر المصارفُ الخليجية في تطوير أدائها خلال العام الحالي ومواصلة تحقيق المزيد من النتائج الإيجابية التي ستؤدي إلى تحقيق مكاسب إضافية للمساهمين وتعزز من دعم الأنشطة والأوضاع الاقتصادية والمالية العامة ومن النمو في دول مجلس التعاون، خصوصاً أنه يتوقع أن تواصل أسعار الفائدة ارتفاعاتها العام الجاري، وإن بنسب أقلَّ من العام الماضي.

*خبير ومستشار اقتصادي